Arabi Facts Hubis a nonprofit organization dedicated to research mis/disinformation in the Arabic content on the Internet and provide innovative solutions to detect and identify it.
nan
مرر مجلس النواب، أمس الأحد، تعديل قانون الموازنة الذي أقره مجلس الوزراء دون أي تغيير، وسط شبهات مرتبطة بشرعية الجلسة، وهو تعديل سيزيد من حجم الأموال التي ستدفعها الحكومة الاتحادية مقابل النفط القادم من إقليم كردستان، ويرتبط بأموال لصالح شركات أميركية تقدر بمليارات الدولارات.
وجاء التصويت على التعديل على الرغم من اعتراضات واسعة صدرت عن عشرات النواب الذي قاطعوا الجلسة، الذين يرون فيه وجهًا من أوجه غياب العدالة، و"غطاءً على فساد السلطات في كردستان"، كما يعكس حجم الرضوخ للمخاوف من الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب، وفقًا لتصريحات خاصة لـ " "صحيح العراق".
وصوت البرلمان، في جلسته الرابعة من فصله التشريعي الأول، للسنة التشريعية الرابعة للدورة الانتخابية الخامسة، برئاسة محسن المندلاوي النائب الأول لرئيس المجلس، على مشروع قانون التعديل الأول لقانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنوات المالية (2023،2024،2025) رقم (13) لسنة 2023 المقدم من اللجنة المالية. وقالت رئاسة البرلمان إنّ التعديل "يهدف لتعيين جهة استشارية فنية دولية متخصصة تعمل على احتساب الكلف التخمينية العادلة لإنتاج ونقل النفط في إقليم كردستان ولكل حقل على حدة والحفاظ على الثروة الوطنية وتعزيز الإيرادات الاتحادية الفعلية وتمكين شركة تسويق النفط (سومو) من الاستخدام الأمثل لمنافذ التصدير وتنويعها".[1]
وتتضمن مسودة تعديل المادة 12 من قانون الموازنة فقرتين، الأولى تتعلق بكلف إنتاج ونقل نفط إقليم كردستان بعد تحديد الكلف التخمينية الحقيقية عبر الهيئة الاستشارية، فيما تنص الفقرة الثانية، اختيار جهة لتحديد تلك الكلف من قبل وزارة النفط الاتحادية وسلطات الإقليم، في حال عدم اتفاق الحكومتين الاتحادية والإقليم على كلف الإنتاج والنقل، وعلى إثر ذلك يتم احتساب كلفة استخراج النفط من الحقول النفطية في الإقليم، وفقًا لما كشفه أحد أعضاء مجلس النواب عن التعديل الذي أقره البرلمان خلال حديث لـ "صحيح العراق".
بغداد ستخسر 4 ملايين دولار يوميًا!
وبحسب النائب، فإنّ التعديل في الفقرة الأولى يعالج قضية أجور شركات النفط في كردستان، والتي حددها القانون الأصلي بـ 6 دولارات عن كل برميل نفط، وهو ما تم رفضه حينها من قبل الشركات الأجنبية العاملة في الإقليم، إلى 16 دولارًا مقابل كلّ برميل نفط، أي بفارق 10 دولارات إضافية ستخسرها الحكومة الاتحادية.
وجاء تحديد الكلفة في القانون الأصلي بالمقارنة مع كلفة إنتاج النفط في مناطق وسط وجنوب العراق، لكن تلك الشركات ترى أن احتساب كلف إنتاج متساوية لبرميل النفط في الإقليم وبرميل النفط في جنوب العراق، أمر غير ممكن بالنظر إلى أنّ حقول النفط في كردستان العراق تقع في مناطق صعبة وجبلية وكلفة الإنتاج فيها "أكثر من كلفة الإنتاج في الجنوب".
ووفقا للتعديل الجديد، تلتزم وزارة المالية الاتحادية بتعويض الإقليم عن النفقات السيادية المرتبطة بإنتاج ونقل النفط المسلم إلى شركة تسويق النفط (سومو) أو وزارة النفط الاتحادية، بما لا يقل عن 400 ألف برميل يوميًا، أي أنّ الحكومة ستدفع للإقليم 6.4 مليون دولار يوميًا بدلاً من 2.4 مليون دولار، أي بفارق 4 ملايين دولار يوميًا.[2]
السوداني: التعديل يعبر عن الاستقرار السياسي
وفور تمرير قانون الموازنة، أصدر رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، بيانًا رحب فيه بتمرير النسخة التي أقرتها الحكومة دون أي تعديلات، وقال إنّ "التصويت على التعديل وفق النص الذي أقره مجلس الوزراء، يؤكد الاستقرار السياسي وحالة التفاهم التي تتسم بها هذه المرحلة، كما تعكس التعاون العالي بين الحكومة ومجلس النواب لمواصلة العمل معًا، في سبيل استمرار زخم عجلة التنمية والإعمار والإصلاح، التي انطلقت ولن تتوقف"، لافتا إلى، أن "الحكومة تواصل العمل على مواجهة المشكلات والتحديات بروح المسؤولية وانطلاقًا من مصالح العراق العليا".
ودعا السوداني، "كلًا من حكومة إقليم كردستان العراق، بمؤسساتها المختصة ووزارة النفط الاتحادية، إلى المباشرة والعمل فورًا بهذا التعديل؛ من أجل الاستثمار الأمثل لثرواتنا الطبيعية، وعلى وجه الخصوص الثروة النفطية".[3]
بالمقابل، يقول أحد النواب المعترضين في حديث لـ "صحيح العراق"، إنّ تمرير التعديل "دون الجرأة على المساس بالفقرات التي وردت في مسودة الحكومة، يعكس مدى رضوخ الحكومة وزعماء الكتل في مجلس النواب، على حد سواء، للضغوط الأميركية التي كان لها بالغ الأثر".
ويطعن النائب الذي شكل مع عشرات النواب كتلة عرفت باسم "نواب الوسط والجنوب"، وهي كتلة يقدر عددها بـ 50 نائبًا قاطعوا جلسة تمرير التعديل، في شرعية جلسة الأحد، ويؤكّد أنّ عدد النواب الذين حضروها لا يتجاوز "140 نائبًا"، مشيرًا إلى أنّ هذا الطعن سيرفع بأقصى سرعة إلى المحكمة الاتحادية.
فيما يقول نائب آخر، أنّ "الضغط الذي مارسته السفارة الأميركية أحبط محاولات هذه الكتلة لمنع إنفاق مليارات الدولارات للتغطية على الفساد في إقليم كردستان، بينما تعاني محافظات أخرى من نقص حاد في الميزانيات، ما يعيق تنفيذ المشاريع الخدمية الأساسية"، مؤكدًا أنّ "هناك أطرافًا أميركية ضغطت على جميع الأطراف وأبلغتهم بضرورة تمرير تعديل الموازنة، مع تحذيرات من إجراءات عقابية قد تفرضها إدارة ترامب على العراق في حال عدم تمرير التعديلات".
"خوفًا من ترامب"
هذه التحذيرات أوقعت بالغ الأثر في الأوساط الحكومية والسياسية، على اعتبار أنّ التعويضات المليارية التي ستدفعها الحكومة الاتحادية "ستذهب إلى شركات على صلة بأطراف مقربة من ترامب"، بحسب نائب ثالث، أكّد لـ "صحيح العراق"، أنّ "تمرير التعديل بهذه الصيغة المجحفة يعكس مدى الرعب الذي يشعر به زعماء القوى السياسية، خاصة الشيعية، من الإدارة الأميركية الجديدة، وليس حالة استقرار سياسي كما ورد في بيان السوداني".
وفي 15 كانون الثاني يناير الماضي، حثت وزارة الخارجية الأميركية، البرلمان العراقي على الإسراع في تمرير الموازنة الاتحادية للعراق. وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر في إيجاز صحفي بمقر الوزارة: "لقد عملنا مع الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كردستان، للتوصل إلى اتفاق موازنة دائم من شأنه أن يسهل إنتاج النفط المستدام في إقليم كردستان"، مضيفًا: "شهدنا مراجعة تعديل الموازنة هذا الأسبوع ونحث على اعتماده بسرعة".[4]
وعلى الرغم من أنّ هذه التصريحات قد واجهت رفضًا من قبل الإطار التنسيقي الذي يضم الكتل الشيعية المشاركة في الحكومة، باعتبارها "تدخلاً سافرًا في الشأن العراقي"، مع التأكيد على أنّ "أي ضغط" من هذا النوع لن يؤثر على البرلمان العراقي، لكن الوقائع جاءت على عكس هذا تمامًا.[5]
لاحقًا بررت بعض أطراف الإطار التنسيقي تمرير نسخة التعديل بـ "وجود إرادة ورغبة سياسية برلمانية على دعم خطوات الحكومة لحل الخلافات مع إقليم كردستان"، وقالت إنّ "الاتفاق على تمرير تعديل قانون الموازنة، جاء لأجل دفع الحكومة نحو الإسراع بإرسال جداول موازنة سنة 2025، فلا أحد يريد تعطيل هذه الموازنة، لمنع عرقلة عملية البناء والإعمار، وإطلاق الكثير من المشاريع الاستراتيجية والمهمة خلال هذه السنة".[6]
هذا الحديث ليس "مجرد ذريعة" كما يقول النواب المعترضون، "بدليل أنّ أزمة الموازنة مع إقليم كردستان تمتد إلى اللحظة الأولى لسقوط النظام السابق، والتي طالما عرقلت تمرير مشاريع وموازنات لفترات طويلة، وسط تعنت من الأطراف السياسية المعنية، وغياب الرغبة الحقيقية في إيجاد حلول واضحة ومستدامة تضمن تدفق الإيرادات من الإقليم إلى خزينة الدولة، وصول الرواتب بالمقابل بشكل مباشر إلى مستحقيها في الإقليم، بما يحول دون السرقات الكبرى التي تمارسها سلطات كردستان".