Arabi Facts Hubis a nonprofit organization dedicated to research mis/disinformation in the Arabic content on the Internet and provide innovative solutions to detect and identify it.
nan
في حادثة هي الثالثة من نوعها، سلّم العراق المعارض المعروف سلمان الخالدي إلى السلطات الكويتية، ثم احتفل المسؤولون العراقيون بصورة تذكارية في منفذ العبدلي، قبل أن تتلقى الحكومة انتقادات سياسية وحقوقية واسعة، بوصف ما أقدمت عليه مخالفة صارخة للدستور العراقي والاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تمنع تسليم المعارضين والناشطين السياسيين.
بالمقابل، ردت الحكومة في بيان رسمي على لسان وزارة الداخلية، وقالت إنّ الإجراءات جاءت استجابة إلى التزامات "قانونية دولية" مفروضة على العراق باعتباره عضوًا في "منظمة الإنتربول الدولية"، وهي ذريعة غير حقيقية، بل سياسة انتهجتها السلطات العراقية منذ سنوات دون التفات إلى مصير المعارضين واللاجئين السياسيين، كما يوضح "صحيح العراق" في هذا التقرير:
الكويت تشكر العيداني والشمري
بدأت القصة مساء أمس الأربعاء، حين أعلنت وزارة الداخلية الكويتية[1]، تسلم المتهم "سلمان الخالدي" من السلطات العراقية، بتنسيق بين الدولتين، ممثلاً بإدارة الشرطة الدولية "الإنتربول"، وقالت إنّ الخالدي مطلوب وفق "11 حكمًا واجب التنفيذ"، كما قالت إنّها تتقدم بـ "خالص الشكر والتقدير لوزير الداخلية في جمهورية العراق عبد الأمير الشمري، ومحافظ البصرة أسعد العيداني، والسلطات الأمنية في وزارة الداخلية والجهاز القضائي في جمهورية العراق، على التعاون المثمر والاستجابة السريعة التي أسفرت عن نجاح هذه العملية الأمنية".
ومع انتشار صور العيداني مع المسؤولين الكويتيين بعد تسليم المعارض الذي ظهر مقيدًا في منفذ العبدلي، تصاعدت الاعتراضات والانتقادات السياسية والحقوقية، فيما قال العيداني في توضيح رسمي[2]، إنّ ظهوره في هذه الإجراءات كان باعتباره "ممثلاً عن الحكومة العراقية لتعذر حضور وزير الداخلية العراقية، أمام نظيره الكويتي"، مبينًا أنّ "الشخص المعني ألقي عليه القبض عليه حسب مذكرة اعتقال دولية في مطار بغداد، وتم نقله إلى مطار البصرة من قبل الشرطة الدولية (الإنتربول)، وسلمه من الإنتربول العراقي إلى الإنتربول الكويتي وفق الاتفاقات بينهم".
العيداني يسخر من المعارض الكويتي
وفي ثاني تعليق على حادثة، قال العيداني إنّ "المحافظة لم يكن لها أي دور في عملية إلقاء القبض على المطلوب لدولة الكويت، سلمان الخالدي"، وإنّ "مهمتها كانت توفير الحماية للإنتربول"، مؤكدًا في تصريح صوتي[3] أنّ "الخالدي اعتقل من قبل الإنتربول صباح يوم أمس في مطار بغداد الدولي، ووصل مساءً إلى مطار البصرة الدولي، حيث بدأت في هذه الأثناء مهمة محافظة البصرة التي اضطلعت بتوفير الحماية لهم من المطار وحتى منفذ سفوان الحدودي".
العيداني لم يخف عدم اكتراثه للقضية، بل وسخر من المعارض الكويتي قائلاً: "لم أكن أعلم من هو (المعارض الكويتي)، ولم أشاهده ولا يهمني أن أعرف من هو، ولما عدت عملية التسليم بعدها افتهمت أن هذا الشخص عليه 11 قضية، وبعدين شفت الفيديوهات ضحكت، منو هو هذا.. فد واحد مخبل مو أكثر من هذا".[3]
هل كان العراق ملزمًا بتسليم المعارض الكويتي؟
بدورها، دافعت وزارة الداخلية عن موقفها بذريعة أنّ المعارض الكويتي "مطلوب بقضايا جنائية"، وأنّ العراق "ملزم بتسليمه" باعتباره "عضوًا في منظمة الإنتربول الدولية"، وقالت إنّ "العراق تسلم مذكرة قبض من الجانب الكويتي، وإذاعة بحث من الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب بحق هذا المتهم، حيث تم استكمال الإجراءات القانونية من القضاءين العراقي والكويتي".[4]
ومع أنّ التهم الموجهة إلى المعارض الكويتي سياسية وليست جنائية، فإنّ الدستور العراقي يمنع تسليم المعارضين والناشطين السياسيين، كما أنّ العراق مقيد باتفاقيات تضمن حقوق اللاجئين السياسيين وتمنع طردهم أو إعادتهم أو تسليمهم إلى أي دولة، كما أنّ مذكرات الإنتربول ليست ملزمة في مثل هذه الحالات، على خلاف ذريعة وزارة الداخلية.
مخالفة دولية تهدد سمعة العراق!
وهنا يؤكّد الوزير السابق حسن الجنابي، أنّ العراق خالف في قضية المعارض الكويتي اتفاقية "مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة"، إحدى أهم الاتفاقيات الدولية في منظومة حقوق الإنسان والتي وقع عليها محمد شياع السوداني بنفسه حين كان وزيرًا لوزارة حقوق الإنسان عام 2011، على حد تعبير الجنابي.[5]
وتنص المادة الثالثة من الاتفاقية على: "لا يجوز لأية دولة طرف أن تطرد أى شخص أو تعيده أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب".
ولا توحي الصورة التي ظهر بها المعارض الكويتي منذ لحظة تسليمه الأولى للسلطات الكويتية، أنّ الخالدي سيكون في مأمن من العنف أو التعذيب، والتعليق للجنابي أيضًا، حيث اعتبر "تسليم المواطن الكويتي الملاحق إساءة لبلدنا"، داعيًا الحكومة إلى اتخاذ "ما يفيد في معالجة هذا الخلل".
خرق للدستور العراقي
كما أنّ تسليم المعارض السياسي الكويتي سلمان الخالدي يعتبر خرقًا للدستور العراقي الذي يضمن عدم تسليم أي شخص يواجه خطر التعذيب أو الملاحقة السياسية في حال عودته إلى بلده، وينص في المادة "21 - أولاً" على عدم جواز تسليم اللاجئ السياسي إلى جهة أجنبية، أو إعادته قسرًا إلى البلد الذي فرّ منه.
ولا تعفي مذكرة الإنتربول العراق من هذه الالتزامات، بحسب الخبير القانوني عدنان الصرايفي، بوصفها "غير ملزمة وتخضع لمصالح الدول وقراراتها السياسية". ويقول الصرايفي[6]: "في حال كان هناك اتفاقية تسليم بين البلدين استند فيها القائمون عند تسليمه فمن الممكن أن تتم تلك العملية، بشرط أن تكون الجريمة جنائية بحتة وليست سياسية، وأن أي تسليم دون مراعاة هذه الضمانات يُعتبر انتهاكًا للقانون الدولي وحقوق الإنسان، مما يمكن أن يعرض العراق للمساءلة الدولية".
مخالفة لقانون الإنتربول أيضًا!
الخبير القانوني حازم الكعبي ذهب أبعد بدوره، مؤكدًا أنّ قرار تسليم العراق المطلوب سلمان الخالدي إلى الكويت "يخالف النظام الأساسي لمنظمة الإنتربول، والأعراف العراقية باعتبار (دخيل)"، مبينًا أنّ "مهمة الشرطة الدولية الأساسية هي إلقاء القبض على متهمين أو محكومين بالجرائم الجنائية فقط مثل القتل والاغتصاب والخطف وتجارة البشر والفساد المالي وغيرها"، وأنّ الإنتربول "غير معني بالجرائم السياسية بنص المادة 3 من القانون الأساسي للمنظمة (يُحظر على المنظمة حظرًا تامًا أن تتدخل في شؤون ذات طابع سياسي أو عسكري أو ديني أو عنصري)".[7]
فيما قال عضو اللجنة القانونية النيابية رائد المالكي، إنّ "الدستور والقانون العراقي والاتفاقيات الدولية تمنع تسليم اللاجئين السياسيين أو المطلوبين عن جرائم ذات طبيعة سياسية"، مشددًا أنّ "تكرار حدوث هذا الأمر يضر بسمعة العراق، وفي حالة تسبب وجود شخص ما بالتأثير على علاقات العراق مع أي دولة فبالإمكان طلب مغادرته البلاد فحسب".[8]
اتفاقية الأمم المتحدة واتفاقية جنيف.. خرق آخر
وبحسب اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 وبروتوكولها لعام 1967، يُمنع تسليم اللاجئين السياسيين إلى أي دولة قد يواجهون فيها خطر الاضطهاد وهذا يشمل خطر التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية.[9]
كما أنّ المادة 33 من اتفاقية جنيف المتعلقة بحظر الطرد أو الرد، تنص على أنه لا يجوز لأية دولة متعاقدة أن تطرد لاجئا أو ترده بأية صورة من الصور إلي حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلي فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية.[10]
وسلم العراق المعارض الخالدي على الرغم من أنّ الكويت أسقطت عنه الجنسية في أبريل نيسان 2024، بعد صدور مرسوم أميري يقضي بسحبها منه وفقًا للمادة 13 من قانون الجنسية الكويتية لعام 1959، على خلفية نشاطه السياسي وانتقاداته الحادة للعائلة الحاكمة في الكويت وكذلك تسليطه الضوء على قضايا الفساد في البلاد، أي أن العراق سلم الخالدي إلى الكويت على الرغم من إسقاط جنسيته، أي أنه لم يعد من مواطنيها، ودون اعتبار لحق اللجوء الذي حصل عليه من بريطانيا.[11]
وأصدرت السلطات الكويتية 11 حكماً ضد الناشط السياسي سلمان الخالدي تصل عقوبتها إلى السجن ومنع السفر لمدة 66 عامًا، مع سحب الجنسية.[12]
ماذا نعرف عن الخالدي؟[13]
وسلمان الخالدي هو ناشط كويتي كان يعيش ويدرس في قطر. بدأ نشاطه السياسي في 25 آذار مارس 2021، حين نشر عدة تغريدات على منصة إكس، تتناول دور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، ليتم إيقافه على الحدود السعودية في 25 كانون الأول ديسمبر 2021، ويعاقب بمنع الدخول
إلى السعودية لمدة 25 عامًا.
وفي 6 حزيران يونيو 2022، حكم الخالدي غيابيًا بالسجن 5 سنوات مع الأشغال الشاقة لـ "ارتكابه عملاً عدائيًا" ضد السعودية، ثم شمل عفو رسمي كويتي مطلع 2023، قبل أنّ يتلقى حكمًا آخر بالسجن 5 سنوات مع الأشغال الشاقة بتهمة التغريد ونشر "شائعات كاذبة حول الشؤون الداخلية للبلاد".
وفي 27 أيلول سبتمبر 2023، حُكم على الخالدي غيابيًا بالسجن لمدة 13 عامًا، بالإضافة إلى منعه من السفر لمدة 25 عامًا بسبب نشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي 19 أيلول نوفمبر 2023، حُكم على الخالدي بالسجن لمدة 5 سنوات إضافية بسبب أفعال ضمن ممارسته لحرية التعبير أثناء وجوده في المملكة المتحدة. وقد حُكم عليه على بتهمة "نشر شائعات كاذبة" حول الكويت من خارج البلاد، و"إهانة" أمير الكويت، والاحتجاج في مكان عام ضد الحكومة، ومشاركة مقاطع فيديو حول احتجاجاته.
في 23 كانون الأول يناير 2024، حُكم عليه بالسجن لمدة 3 سنوات أخرى بسبب أفعال تتعلق بحرية التعبير أثناء وجوده في لندن (انتقادات الحكومة علنًا على وسائل التواصل الاجتماعي وتنظيم اعتصام أمام السفارة الكويتية).
في 9 نيسان أبريل 2024، نشرت السلطات الكويتية المرسوم رقم 66 الذي يجرد الخالدي من جنسيته الكويتية.
لا يعترف بالكويت دولة ويطالب بحكم آل عريعر
وتظهر المنشورات والمقاطع التي ينشرها الخالدي عبر صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، انتقاداته الحادة لعائلة الصباح التي تحكم الكويت. وفي آخر فيديو له للرد على الإعلامية الكويتية فجر السعيد، قال إنّ الكويت هي عبارة عن "كوت تابعة للبصرة"، وإنّ أجداده "آل عريعر" هم من كانوا يحكمون، وإنّ "أصل آل الصباح من بلاد فارس".[14]
كما وثق نفسه في مقاطع على الحدود العراقية الكويتية عند منفذ سفوان، وفي جبل سنام بالبصرة، متحديًا السلطات الكويتية، ونشر مقاطع أخرى
من زيارات للمراقد الدينية في النجف وكربلاء، إذ يصف نفسه "سنيًا يؤمن بالإمام علي وأهل البيت"، ويقول إنّه "يستمد معارضته من ثورة الإمام الحسين في عاشوراء".[15]
المرجعية والعتبات.. فخ المعارضين
وأعادت حادثة الخالدي إلى الأذهان واقعة استدراج المعارض الإيراني البارز روح الله زم إلى العراق بدعوة وهمية من مكتب المرجع علي السيستاني، ثم تسليمه إلى الحرس الثوري الإيراني في تشرين الأول أكتوبر 2019، حيث خضع إلى محاكمة في إيران وأعدم مطلع عام 2020 بتهمة "معاداة الثورة"، والمشاركة في موجة احتجاجات ضد السلطات الإيرانية في شتاء 2017 - 2018.[16]
وفي آب/ أغسطس الماضي، سلمت السلطات العراقية المعارض البحريني هاشم شرف (36 عامًا)، المحكوم بالسجن المؤبد، إلى السلطات الكويتية، أثناء محاولته تجديد إقامته وزيارة العتبات الدينية في كربلاء والنجف، بحسب ما أفاد به مسؤولون عراقيون ومعارضون بحرينيون.[17]
وبحسب النائب مصطفى سند، فإنّ ضابط عراقي في منفذ سفوان سلم المعارض البحريني إلى الكويت، حيث كان "زائر الحسين" المطلوب للحكومة البحرينية قد توجَّه من النجف إلى البصرة لغرض كسر الدخول من المنفذ وتجديد تأشيرة الدخول"، إلا أن العراق سلمه ليواجه حكم السجن المؤبد في بلاده رغم توسله بالسلطات لإيقاف إجراءات تسليمه باعتباره "مطلوب سياسي".[18]