Arabi Facts Hubis a nonprofit organization dedicated to research mis/disinformation in the Arabic content on the Internet and provide innovative solutions to detect and identify it.
nan
قبل نحو 5 سنوات، تعهد محافظ البصرة أسعد العيداني بإكمال منظومة الإنارة في مجمع القصور الرئاسية في البصرة، وفتح أبوابه أمام العوائل "قريبًا"، باعتباره منطقة ترفيهية تضم مبان فارهة ومساحات وحدائق واسعة، لكن العيداني فشل في تحقيق ذلك دون أي توضيح أمام أسئلة البصريين عن الأسباب.
ويمثل مجمع القصور الرئاسية منطقة محظورة، ليس على أهالي البصرة فقط، بل القوات الأمنية أيضًا، إذ تتحصن فصائل مسلحة منضوية ضمن هيئة الحشد الشعبي منذ عام 2014، وتخفي هناك متهمين باغتيالات وجرائم طالت ناشطين ومحتجين وإعلاميين.
في هذا التقرير يكشف "صحيح العراق" خريطة انتشار الفصائل المسلحة داخل القصور الرئاسية وجانبًا من أنشطتها، ويحدد الجهة المسؤولة عن القرار هناك، كما يؤشر أسباب فشل الحكومة المحلية في تحويل المجمع إلى منتجعات ترفيهية.
بصريون يذكرون العيداني
عاد ملف مجمع القصور الرئاسية إلى الواجهة، بعد أن نشرت صفحة باسم البصرة[1] منشورًا للعيداني يعود إلى 30 آب أغسطس 2019، يقول فيه: "سيكتمل قريبًا إصلاح منظومة الإنارة، والحدائق وتفتح القصور الرئاسية أمام العوائل البصرية"[2]، واتهمت المحافظ بالكذب وعدم الوفاء بتعهده بعد مرور 5 سنوات.
نظرة على مجمع القصور
تقع القصور الرئاسية في منطقة البراضعية، وتطل على شط العرب الذي يحدها من جهة الشرق، فيما يقع شمالها نهر الخورة، ومن الغرب نهر الأميلح ومنطقة مناوي لجم، ومن الجنوب نهر السراجي. ويضم المجمع مستشفى كبير، وقصرين تاريخيين قديمين، أحدهما قصر أغا جعفر، والآخر قصر عبد الوهاب الخضيري، وقد شيدا عام 1902، كما يضمّ قصر الدار المبحر، وخمسة قصور فرعية أخرى، إضافة إلى مبانٍ ومجمعات.[3]
وتحولت هذه القصور إلى عنوان تجاذب أمني وسياسي في كثير من الأوقات في البصرة، خصوصًا خلال حكومتي عادل عبد المهدي (2018 ـ 2020) ومصطفى الكاظمي (2020 ـ 2022)، بعد اتهامات بإيواء منفذي عمليات اغتيال طالت ناشطين ومتظاهرين وإعلاميين، من بينهم الصحافيان أحمد عبد الصمد، وصفاء غالي، والناشطة رهام يعقوب.
ولا تستطيع القوات الأمنية (الجيش والشرطة) دخول مجمع القصور الرئاسية، إلاّ بتصريح من الفصائل المسلحة ومنها كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، وكتائب ثأر الله. وشهد الموقع عام 2023، مناوشات بين قوة أمنية وحرس القصور، بعد محاولة تنفيذ أمر اعتقال بحق أحد المتهمين بجرائم الاغتيال.[4]
السلاح بدل الزهور منذ 2014
بين أعوام 2012 - 2014 استضاف مجمع القصور الرئاسية مهرجان الزهور، أحد أنشطة الحكومة المحلية، قبل أنّ يتوقف النشاط منذ عام 2015 حين شغلت المجمع الفصائل المسلحة، ثم اضطرت الحكومة إلى نقل المهرجان عام 2022 إلى المدينة الرياضية، بعد توقف دام 7 سنوات.[5]
"اتفاق الأخوة في الحشد"!
قبل ذلك، قال العيداني عام 2019 إنّ "الحشد الشعبي رحب بفكرة فتح القصور الرئاسية، وسيتكفل بحماية الأسر التي سترتاد القصور"، وأشار إلى إمكانية "فتح القصور ليلًا لاستقبال الأسر، ولها أن تتمتع بكورنيش القصور"، دون أي أثر لهذا الاتفاق على أرض الواقع.[7]
في حزيران يونيو من عام 2021، أعلن محافظ البصرة أسعد العيداني، مجددًا، قرب افتتاح القصور الرئاسية لتكون "متنفسًا للعوائل بعد توفير 5 مواقع اخرى لإنشاء مساحات خضراء". وقال العيداني إنّه اتفق مع "الأخوة بالحشد" على أنّ العوائل البصرية تفتقر إلى المساحات الخضراء والتي تلاشت في الفترة الأخيرة، والقصور يجب أن تفتح والقرار اتخذ بالتنسيق مع هيئة الحشد بأن تكون متنسفًا للعوائل البصرية.[8]
موافقة أبو فدك والفياض
وتعليقًا على تصريح العيداني آنذاك، أعلنت هيئة الحشد الشعبي أنّ "فتح القصور الحكومية في المحافظة أمام العوائل للتنزه والترفيه، سيقتصر في البداية على جزء منها، كونها ليست مؤهلة بالكامل في الوقت الحاضر لاستقبالهم". وقالت إنّ "فتحها أمام المواطنين لن يشكل أية خطورة أمنية"، مبينة أنّ "قرار فتحها جاء بتوجيه من رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض ورئيس هيئة أركان الحشد عبد العزيز المحمداوي (أبو فدك)، وبرعاية من محافظ البصرة اسعد العيداني"، لكنها لم تسمح في حقيقة الأمر بالوصول إلى أي جزء من المجمع، باستثناء متحف التاريخ الطبيعي عند مدخل المجمع.[9]
المنطقة الأكثر سخونة
وشهد مجمع القصور الرئاسية منذ شغلته الفصائل عام 2014، أحداثاً أمنية عدة، فضلاً عن احتجاجات في محيطه ومحاولة لاقتحامه، إلاّ أنّ ما حدث في آيار مايو 2021، كان الأخطر، حين اندلعت اشتباكات بين قوة أمنية عراقية وفصيل مسلح، وذلك بعد مداهمة أمنية لمنزل أحد أفراد الفصيل، المتهم بتنفيذ عمليات اغتيال ناشطين.[10]
وخلال الأشهر آب وأيلول وتشرين الأول (8، 9، 10) من نفس العام، شهد محيط مجمع القصور مواجهات مسلحة عنيفة، بين فصيلين، بالتزامن مع المواجهات المسلحة في بغداد خلال أزمة تشكيل الحكومة.[11]
خريطة القصور
يضم المجمع 5 قصور، الأول هو مقر متحف التاريخ الطبيعي ويمكن الوصول إليه، فيما تشغل حركة كتائب حزب الله وبعض الجماعات المرتبطة بفصائل أخرى اثنين من القصور، كما يكشف مسؤول محلي لـ "صحيح العراق".
ويقول المسؤول، إنّ "القصر الرابع بات مقر مستشفى للعلاج الطبيعي يعرف بمستشفى جعفر الطيار، وتديره هيئة الحشد، والخامس ما يزال مبنى غير مشغول يحتاج إلى إعادة ترميم"، مبينًا أنّ "المجمع يعتبر المقر الإداري لهيئة الحشد الشعبي ويضم شخصيات بارزة، بعضهم مطلوبون للقضاء أو لجهات أخرى، وفتح القصور يعني فقدانهم الملاذ الآمن".
مع ذلك، لا يضم المجمع مخابئ للأسلحة، بحسب المسؤول البصري المحلي، إذ تتخذ الفصائل من مناطق الدير والشافي الزراعية، شمالي البصرة مخازن لحفظ الأسلحة ومواقع للتدريب.
المفاتيح عند كتائب حـ ـزب الله
ومنذ عام 2018، يخضع مجمع القصور الرئاسية لسلطة حركة "كتائب حـ ـزب الله"، إذ بسطت نفوذها هناك وعززت من تحصيناتها إثر الاحتجاجات الشعبية وحرق مقرات الفصائل، إلى جانب منظمة بدر وعصـ ـائب أهل الحق.
وعلم "صحيح العراق" من مقاتل سابق في الكتائب، أنّ الحركة هي "صاحبة الكلمة العليا داخل مجمع القصور الرئاسية، باعتبارها تهمين على المواقع القيادية ضمن هيئة الحشد الشعبي".
ولا يستبعد المقاتل السابق وجود مطلوبين ومتهمين داخل المجمع، لكنه يؤكّد في ذات الوقت حرص الفصائل على "إبقاء الأنشطة غير القانونية عند مستويات محدودة جدًا، بالنظر إلى وجود مؤسسات أمنية قريبة، منها خلية القصور الاستخبارية ولواء العقرب ومؤسسات أخرى".
كما يؤكّد، أنّ "هيئة الحشد الشعبي تتخذ من المكان مقرًا إداريًا وليس عسكريًا، ومن الممكن أن تغادر في حال وفرت الحكومة المحلية مقرات بديلة".
ويتفق المسؤول المحلي مع هذا الرأي، إذ يقول لـ "صحيح العراق"، إنّ الفصائل اشترطت توفير مقرات بديلة لمغادرة القصور الرئاسية، لكن ذلك لم يتحقق "ما عرقل مشروع تحويلها إلى مكان ترفيهي".
العيداني لن يتحرك الآن
وفي آذار/ مارس الماضي، خوّل رئيس مجلس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، خلال اجتماع للّجنة العليا للإعمار والاستثمار، محافظ البصرة أسعد العيداني، "التفاوض من أجل استثمار القصور الرئاسية في البصرة، وعرض نتائج التفاوض على اللجنة العليا للاستثمار والإعمار"، دون أنّ يصدر عن العيداني أي توجيه بناءً على القرار الأخير.[12]
ويستمر صمت العيداني بما يتعلق بالمجمع الرئاسي، حتى بعد موجة السخرية الكبيرة التي أثارها استذكار تعهداته القديمة مؤخرًا، خشية أن تؤدي أي خطوة نحو القصور، في ظل التوتر القائم في المنطقة، إلى صدام مع الفصائل المسلحة، كما يفسر مسؤول في مكتب المحافظ، لكنه يؤكّد في ذات الوقت أنّ المشروع "ما يزال قائمًا وقابلاً للتنفيذ".
ويقول المسؤول في مكتب العيداني لـ "صحيح العراق"، إنّ "الحكومة تدرس في الوقت الراهن إمكانية توفير مقر بديل لهيئة الحشد الشعبي خارج مركز المدينة، لكن توفير المقر يحتاج إلى تخصيص مالي، أي لابد من انتظار إقرار موازنة المشاريع".
ومع كلّ هذا لا يبدو أنّ البصريين سيشاهدون كورنيش القصور الرئاسية قريبًا، إذ لا يملك مكتب العيداني تصورًا واضحًا عن موقع المقرات البديلة، أو أي تقديرات زمنية لإخلاء القصور الرئاسية من الفصائل المسلحة تمهيدًا لاستثمارها.