Arabi Facts Hubis a nonprofit organization dedicated to research mis/disinformation in the Arabic content on the Internet and provide innovative solutions to detect and identify it.
nan
فتح ذكر "البهرة" بوصفهم جزءًا من الشيعة، ضمن قصيدة للمنشد الديني خضر عباس، داخل مسجد الكوفة في محافظة النجف، الباب أمام جدل طائفي واسع، الأمر الذي اضطر إدارة المسجد إلى إصدار بيان توضيحي وسحب القصيدة من منصات المسجد على مواقع التواصل الاجتماعي.
في هذا التقرير يتتبع "صحيح العراق" أصل طائفة "البهرة" ويقدم معلومات أساسية عنها، كما يتناول أسباب استياء الأوساط الدينية الشيعية من ذكرهم ضمن أحد المؤسسات الشيعية الكبرى المتمثلة بمسجد الكوفة.
"الله يا دين البهرة"..
يوم السبت الماضي، 15 حزيران يونيو الجاري، استقبل مسجد الكوفة عشرات من مواكب العزاء بذكرى مقتل "سفير الإمام الحسين" مسلم بن عقيل، حيث يقع مرقده ضمن المسجد.
وكما في كل عام، تتضمن مراسم إحياء هذه المناسبة إلقاء قصائد من قبل منشدين يعرفون بـ "الرواديد"، كان من بينهم خضر عباس الذي ألقى "لطمية" تشيد في أحد مقاطعها بطائفة البهرة بنص: "روحانيين أفريقيين الله يا دين البهرة"، ثم قال عنهم: "همه ذوله همه ذوله الشيعة كلها يحبوها"[1]، ليثير انتقادات وتعليقات غاضبة، على اعتبار أن طائفة "البهرة" فرقة إسماعيلية تخالف المذهب الشيعي الإثني عشري، فهم يتبعون إسماعيل بن الإمام جعفر بن محمد الصادق، ومن ثم أولاده، على خلاف الشيعة الإمامية الذين ينص مذهبهم على إمامة موسى بن الإمام جعفر، وليس إسماعيل.[2]
مسجد الكوفة يتبرأ ويحذف القصيدة
إثر ذلك، تبرأت أمانة مسجد الكوفة من قصيدة "البهرة" التي ألقيت في ذكرى مقتل مسلم ابن عقيل، وأعربت عن أسفها الشديد من "الخطأ العقائدي الكبير"، مشيرة إلى أنّ "الرادود لم يقدم هذه القصيدة ضمن برنامجه في العزاء، بل قدم قصيدتين فقط وكانتا في رثاء سيدنا مسلم بن عقيل عليه السلام ولم تكن هذه القصيدة ضمن القصائد المقدمة للقراءة ولا علم للمسؤولين على إقامة العزاء بها أصلاً"، كما أكّدت حذف القصيدة من الموقع الرسمي بعد الإطلاع عليها مباشرة، وقالت إنّها ستقوم "بإجراءات أكثر حزما لتجنب حدوث مثل هذه الأخطاء".[3]
من هم البهرة؟
و"البهرة" طائفة ترجع إلى الأئمة الفاطميين في مصر، باعتبارهم أحفاد النبي محمد، إذ حكموا خلال القرنين العاشر والثاني عشر أجزاءً كبيرة من العالم الإسلامي تمتد من شمال أفريقيا في الغرب إلى باكستان في الشرق. ويتبع البهرة المذهب الشيعي الفاطمي الإسماعيلي الطيبي، وتقوم عقيدتهم على الإيمان بأهل البيت بصفتهم الخلفاء الشرعيين للنبي، أي أنهم فرع من فروع الطائفة الإسماعيلية التي تنتمي إلى إسماعيل بن الإمام جعفر بن محمد الصادق، وليس أخاه موسى بن جعفر الصادق وأحفاده، كما هو الحال لدى الشيعة الإثنا عشرية[4]، فيما تعني كلمة البهرة اصطلاحًا التاجر.
البهرة فرقتان
وبحسب موسوعة "بريتانيكا"، فإنّ البهرة هم المسلمون الشيعة الإسماعيليون من الطائفة المستعلية، الذي يعيشون في غرب الهند. وأوضحت أن الطائفة المستعلية نشأت في مصر ثم نقلت مركزها الديني فيما بعد إلى اليمن، قبل أن تكسب موطئ قدم في الهند من خلال المبشرين في القرن الحادي عشر. وبعد عام 1539، الذي نمت فيه الجالية الهندية بشكل كبير، تم نقل مقر الطائفة من اليمن إلى سيدبور في الهند.
وشهد عام 1588 انقسامًا في مجتمع البهرة بين أتباع داوود بن قطب شاه (الداووديين)، وسليمان (السليمانيين)، الذين ادعى كل منهما قيادة المجتمع. وظلا منذ ذلك الحين المجموعتين الرئيستين للبهرة، مع عدم وجود اختلافات عقائدية كبيرة، إذ يتواجد زعيم أو سلطان الداووديين في بومباي، بينما يتواجد زعيم السليمانيين في اليمن.[5]
عقيدتهم:
يعتقد الداووديون البهرة، بوجود الإمام المنحدر من نسل الإمام الحسين بن علي دائمًا، لمواصلة مهمة إرشاد البشرية، وأنّه معصوم من الخطأ كما أنّه طاهر ومقدس، ويعتبر مستودع المعرفة النبوية والمفسر النهائي للدين، وفقًا لموقع "داوودي بهرة". ولهذه الطائفة مزارات دينية وآثار تعود للدولة الفاطمية، مثل ضريح حاتم الحضرات الداعية الفاطمي المدفون في منطقة حراز غربي العاصمة اليمنية صنعاء، ومسجد الحاكم بأمر الله في العاصمة المصرية القاهرة. [6]
تواجدهم
وينتشر البهرة وأغلبهم من الداووديين في 40 دولة حول العالم، ويرشدهم زعيمهم الملقب بـ"الداعي المطلق" أو "المبشر غير المقيد"، الذي كان انتقل مقره من اليمن إلى الهند قبل نحو خمسة قرون.
ومنذ انهيار الدولة الصليحية اليمنية عام 1138 ميلادية، تعرض البهرة للتضييق من قبل الحكام المتعاقبين، لتنتقل زعامة الطائفة من اليمن إلى الهند. ويقع المركز الرئيس لأبناء الطائفة في مدينة مومباي ويعيش معظمهم في الهند. فيما يتواجدون أيضًا في باكستان وشرق إفريقيا، بالإضافة إلى تزايد أعدادهم في أوروبا وأميركا الشمالية وجنوب شرق آسيا وأستراليا.
عربيًا، ينتشر البهرة في اليمن ومصر والإمارات، ويُقدر البعض عددهم بأكثر من مليون شخص حول العالم. ولا يتجاوز عددهم 25 ألف شخص في اليمن، ينتشرون في حراز وصنعاء والحديدة وإب، وعدن التي يوجد بها سوق البهرة ومسجد علي بهاي.[7]
لغة البهرة
تعتبر لغة البهرة السمة الثقافية الفريدة لمجتمعهم في جميع أنحاء العالم، والمعروفة باسم لسان الدوات، وتجمع هذه اللغة مفردات وعناصر من العربية والفارسية والأُردية والغوجاراتية، والتي بدأت في الظهور منذ حوالي 1000 عام، عندما أتت إرسالية تعرف باسم دوات إلى ولاية غوجارات في الهند من خلال مبشرين من الأئمة الفاطميين. وتعتمد لغة الدوات في تركيبتها الأساسية وبنيتها على اللغة الغوجاراتية، لكن النصوص وجزءًا كبيرًا من مفرداتها تتكون من كلمات عربية.[8]
عادات وتقاليد البهرة
يعتبر مجتمع البهرة من المجتمعات المغلقة، ويعتمد على المركزية في إدارة أمور الحياة، حيث لا توجد حرية داخلية ويتم التحكم فيها مركزيًا، بحسب موقع "بروغريسيف داوودي بهرة". ويذكر الموقع أن للبهرة تقاليد خاصة بهم في الزواج والوفاة، إذ تقوم مجموعة من الأشخاص المسؤولين في شهر رمضان، بجمع الأموال من أفراد الطائفة من أجل إتمام الزيجات والجنازات.
وفي مجتمع البهرة لا يمكن إجراء طقوس الزواج أو الجنازة دون الحصول على إذن من شيخ المجموعة، أي يستلزم الحصول على موافقة أو (إذن) الشيخ المحلي للزواج أو دفن الأقرباء، كما يُحظر عليهم الزواج من غير البهرة، إلا بشرط التحول.[9]
سلطان البهرة
والزعيم الحالي للداووديين البهرة، هو مفضل سيف الدين، ويأتي ترتيبه الثالث والخمسون، حيث تولى منصبه في كانون الثاني يناير 2014، خلفًا لوالده محمد برهان الدين، وهو من مواليد مدينة سورات الهندية في 20 آب أغسطس 1946.
وتنص معتقدات طائفة البهرة، على أنّ الزعامة لا تمنح لسلطان جديد إلا بنص وتعيين من السلطان السابق، لذا فإن سلطان البهرة الراحل الدكتور محمد برهان الدين، عين نجله مفضل سيف الدين خلفًا له (وليًا للعهد) قبل وفاته بسنتين في مدينة مومباي أمام مئات الآلاف من أبناء الطائفة، قبل أن تمنحه جامعة كراتشي الباكستانية شهادة الدكتوراه بالآداب في 2015، تقديرًا لـ "جهوده الخيرية في العمل على توثيق الروابط الكريمة بين المسلمين"، كما منحته الهند في نفس العام جائزة السلام العالمية، اعترافًا بـ "مساعيه القيمة وحرصه على تقدم الحريات الإنسانية وتحقيق العدالة الاجتماعية، وجهوده في إنشاء مشروع توزيع الغذاء وتأمينه في جميع أنحاء العالم (فيض الموائد البرهانية)، ومساعيه في تعزيز دور المرأة الاجتماعي والاقتصادي".[10]
السلطان في العراق
وبالعودة إلى "لطمية" مسجد الكوفة، ربطت بعض الانتقادات ما تضمنته القصيدة من ذكر لـ "البهرة" بالنشاطات المتصاعدة للطائفة مؤخرًا في العراق، خاصة زيارة سلطانها واللقاء الذي جمعه برئيس الوزراء محمد شياع السوداني وعدد من مراجع الدين هذا العام، وإرساله وفدًا لتقديم التعازي بوفاة أحد شيوخ العشائر واستعدادهم لبناء تمثال له. [11]
واستقبل رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني في 20 شباط فبراير 2024، سلطان طائفة البهرة الحالي، وأصدر مكتبه بيانًا رحب فيه "بالتواصل الثقافي والإنساني النبيل الذي انتهج خطاب الاعتدال والتقارب في مواجهة خطاب الكراهية والتطرّف، بوصفه مساراً لترسيخ السلام والتعايش في أرجاء المنطقة والعالم".[12]
وللبهرة علاقات جيدة بالمرجع الديني الشيخ بشير النجفي، الذي ينحدر من باكستان، لكنه يقيم في النجف، وبحسب موقعه الرسمي، فإنّه على تواصل مع وفود طائفة البهرة، رغم الاختلاف العقائدي بين الشيعة الإثنا عشرية، والبهرة الإسماعيلية.[13]
وكانت وزارة الداخلية العراقية، قد منحت سلطان الطائفة، تأشيرة دخول لزيارة العتبات الدينية، وزيارة المناطق الدينية عبر المنافذ الجوية في مطاري (بغداد، النجف) الدوليين ومنفذ (سفوان) الحدودي مباشرة.[14]
علاقة البهرة بمصر
يهتم "البهرة" بتطوير تراث الفاطميين سواء المساجد أو القبور ويخصصون مبالغ كبيرة لهذه المهمة، وعلى هذا الأساس تربطهم علاقة جيدة مع النظام المصري الحالي، إذ قدم سلطان البهرة، خلال زيارته إلى مصر، في عام 2016، مساهمة في صندوق تحيا مصر تقدر بـ 10 ملايين جنيه، بحسب الصحف المحلية.[15]
وفي 27 نيسان أبريل 2022، افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بحضور سلطان طائفة البهرة بالهند، أعمال التطوير والتجديد لمسجد الحسين في القاهرة، والتي كلفت ما يقرب من 150 مليون جنيه، واستمرت لنحو شهر، بالتعاون مع طائفة الداووديين البهرة.[16]
وفي آذار مارس 2023، افتتح وزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة، ووزير السياحة والآثار أحمد عيسى، مسجد الحاكم بأمر الله بشارع المعز لدين الله الفاطمى بمنطقة القاهرة التاريخية، بعد الانتهاء من مشروع ترميمه وإحيائه بالتعاون مع طائفة الداووديين البهرة.[17]