المدينة التي يسكنها مزيج من الدروز والمسيحيين والسنة، شهدت أواخر فبراير الماضي، اشتباكات بين أبناء العائلات المحلية الدرزية وقوات الأمن، عندما اعتقلت قوات الأمن شابين من عائلة قبالات.
انعكست هذه التوترات على مواقع التواصل الاجتماعي؛ فأطلق وسم #جرمانا الذي تضمن خطاباً طائفياً وتحريضياً، يشجب ما قام به الدروز.
تصاعدت حدة الموقف بعد تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، إذ أعلنا استعداد إسرائيل للتدخل لحماية الدروز في جرمانا، واصفين النظام السوري بـ"المتطرف".
حشد مفاجئ
في يوم 28 فبراير الماضي، انطلق الوسم، مسجلاً 1542 منشوراً، وتزايد العدد بشكل كبير في الأيام التالية، وصولاً إلى 18732 منشوراً في 1 مارس.
من خلال تحليل البيانات المتعلقة بالوسم #جرمانا، تبيّن أن الحملة التفاعلية على منصات التواصل الاجتماعي لا تقتصر على السوريين فقط، بل تجاوزت الحدود لتصل إلى العديد من الدول المجاورة؛ مثل: السعودية و لبنان، بالإضافة إلى دول أوروبية والولايات المتحدة.
عند النظر في نمط التفاعل عبر الوسم، يتبين أن إعادة النشر (Reposts) كانت السمة الأكثر بروزاً في الحملة، إذ بلغ عدد المنشورات المعاد نشرها أكثر من 17,900 منشور؛ وهو ما يمثل الجزء الأكبر من التفاعل.
أما الردود (Replies)، فقد شهدت هي الأخرى زيادة كبيرة وصلت إلى 16,518 رداً، في حين كانت المنشورات الأصلية أقل عدداً، إذ لم تتجاوز 3,381 منشوراً أصلياً. هذا يشير إلى أن الحملة كانت مدفوعة بالاستفادة من المحتوى المعاد نشره بدلاً من المحتوى الأصلي.
تزامناً مع هذا، شهدت الأيام التي تلت 28 فبراير، وخاصة يوم 1 آذار/مارس 2025، أعداداً ضخمة من التفاعل السلبي مع الوسم، إذ تجاوزت المنشورات السلبية في اليوم نفسه 10,961 منشوراً، ما يعكس تصاعداً في حالة الغضب والاستياء من الأحداث.
من خلال تحليل الكلمات السلبيّة الأكثر شيوعاً في التفاعلات، نجد أن العديد منها تتعلق بمصطلحات سياسية وطائفية حساسة؛ مثل إسرائيل وجنبلاط، وهو زعيم الدروز في لبنان، الذي زعم انتقاده لدروز سوريا.
كما تكشف الكلمات مثل "خونة" و "اللحية القذرة" (التي ظهرت 293 مرة) عن وجود نبرة طائفية في النقاشات. من جهة أخرى، يعد ظهور إسرائيل بمعدل 149 مرة ضمن الكلمات السلبية مؤشراً على الربط بين جرمانا وإسرائيل، في سياق تخوين أبناء المدينة.
استقطاب موجه
بتحليل المنشورات الأكثر تداولاً، يتضح أنها حرضت ضد كبار مشايخ الدروز، وحملت طابعاً تخوينياً، يتهمهم بالتعاون مع إسرائيل.
على سبيل المثال، حظي منشور على حساب جهاد المبروك (@Jih407) بإعادة تداول واسعة، إذ تضمن عبارات حادة تصف الشيخ حكمت الهجري -وهو أحد الرموز الدينية للطائفة الدرزية- بأنه "العجوز صاحب اللحية القذرة"، متهماً إياه بالسعي لإشعال حرب طائفية بدعم من مليشيات داخلية وخارجية مرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي.
حصد هذا المنشور أكثر من 116 ألف مشاهدة، مع إعادة نشر تجاوزت 2400 مرة.
كما اراجت منشورات تحمل تساؤلات جريئة؛ مثل تلك التي طرحها ريناد شيخو (@Renadshikho)، إذ تساءل عن غياب الموقف الإسرائيلي تجاه النظام، في الوقت الذي تُوجَّه فيه اتهامات لبعض أبناء السويداء بأن "جماعة جولاني" تزداد تطرفاً وطائفية وغطرسة.
وفي منشوره، وصف خالد الصلال (@khaledsallal03) الشيخ حكمت الهجري بـ "الدجال" الذي يدعي مشروعاً وطنياً غير انفصالي، داعياً في الوقت نفسه فصائل الدروز المسلحة إلى حل نفسها والاندماج في الجيش السوري. كما ظهرت منشورات أخرى تزعم تهريب مجرمين من جرمانا إلى السويداء.
وواصل حساب آخر يحمل اسم PIC | صور من التاريخ (@inpic0) نشر محتوى تحريضي يربط الطائفة الدرزية في سوريا بإسرائيل بشكل مباشر، عبر منشورات تروّج لفكرة أن "دروز سوريا يحتفلون ابتهاجاً بإعلان نتنياهو استعداد إسرائيل للدخول لجرمانا والدفاع عنهم".
حصد هذا المنشور وحده أكثر من 385 ألف مشاهدة، وتمت إعادة نشره نحو 1400 مرة.
أما حساب الناشط الإعلامي ربيع شعار (@ar_rby32215)، فوصف في منشور له مدينة جرمانا بأنها "بؤرة فساد وتشبيح وعمالة لإيران وإسرائيل"، مطالباً بما وصفه بـ"النفير العام لاستئصالهم".
وحقق هذا المنشور أكثر من 62 ألف مشاهدة و658 إعجاباً.
وفي منشور بارز آخر، قام حساب المرصد العسكري (@Military_OSTX) بربط الأحداث في جرمانا وبين أجندات إسرائيلية وإيرانية، حاصداً 143 ألف مشاهدة، وقرابة أربعة آلاف إعادة نشر.
يكشف تحليل منشورات الحسابات المذكورة سابقاً عن تأييدها للنظام السوري الجديد، إذ يحتفي بعضها بتصريحات الرئيس السوري أحمد الشرع وقراراته.
معلومات مضللة
وتضمنت أكثر الكلمات تكراراً في وسم #جرمانا اسم وليد جنبلاط؛ وهو زعيم الدروز في لبنان، في إشارة إلى تصريح منسوب له يتهم رجل الدين الدرزي في سوريا حكمت الهجري بتنفيذ "الأجندات الإسرائيلية".
وكشفت بي بي سي أن هذه التصريحات زائفة، ولم يدل بها جنبلاط.
كما أن الفيديو المتداول عن خروج الدروز بالاحتفال بعد تصريحات نتنياهو "مضلل"، ومعاد نشره من قبل.
ومن الأمثلة البارزة على ذلك تغريدات أحمد سلمان (@1ahmadslman)، التي روجت لمقطع فيديو يظهر مجموعة من المواطنين الدروز يحتفلون، مع زعم مضلل أن هذا الاحتفال جاء ردًا على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي وعد فيها بحماية الدروز في منطقة جرمانا بريف دمشق.
إلا أن تحليل الفيديو باستخدام أداة التحقق والتحليل الرقمي InVID كشف عن معطيات مهمة تتعلق بسياق ومحتوى المقطع. تُظهر البيانات الفنية المسجلة أن الفيديو تم نشره وتعديله بتاريخ 1 آذار/مارس 2025 الساعة 20:24:53 بتوقيت شرق أوروبا (GMT+2)، ما يثير الشكوك في كونه تسجيلًا قديمًا أو مأخوذًا من سياق آخر، ثم أُعيد نشره في وقت حساس جدًا تزامن مع تصريحات نتنياهو، ما ساهم في تضليل المتابعين.
ويبدو واضحًا من خلال البيانات التقنية أن المقطع لا يحتوي على أي دلائل نصية أو صوتية تشير إلى تصريحات نتنياهو أو إلى أي علاقة مباشرة مع الأحداث الأخيرة في جرمانا. هذا النوع من الاستخدام لمقاطع الفيديو خارج سياقها الحقيقي، يُعد من الأساليب المتعمدة التي تستخدم في الحملات الموجهة لتضليل الرأي العام والتأثير في مشاعره، وزيادة حدة الاستقطاب الطائفي عبر استثارة ردود فعل سلبية عنيفة بين الطوائف والمكونات المختلفة في المجتمع السوري.
كما انتشر فيديو آخر لآليات عسكرية إسرائيلية على اعتبار أنها ملتقطة من دمشق، لكن البحث عن لافتات المحال الظاهرة في الفيديو أظهر أنها ملتقطة من جنين، بالضفة الغربية المحتلة.