انطلق الجدل إثر حادثٍ مروعٍ وقع في إحدى طرق إقليم الدلتا في مصر، أسفر عن وفاة عدد من الفتيات الصغيرات، ما أثار موجة غضب عام حوّلت النقاش من مطلب تحقيق سريع إلى سجال سياسي حول أداء وزارة النقل ومساءلة الوزير كامل الوزير مباشرة.
في أواخر حزيران/يونيو 2025 شهدت منصة إكس موجة من الحملات الرقمية المنسقة التي استهدفت وسم "#كامل_الوزير" وزير النقل والمواصلات في الحكومة المصرية ، ووسوم فرعية مصاحبة للوسم فتراوحت المنشورات بين نقدٍ لاذعٍ ودفاعٍ حادٍّ عنه، وتخطّى حجم المشاركات أكثر من 19 ألف منشور خلال أسبوع واحد.
انطلق الجدل إثر حادثٍ مروعٍ وقع في إحدى طرق إقليم الدلتا في مصر، أسفر عن وفاة عدد من الفتيات الصغيرات، ما أثار موجة غضب عام حوّلت النقاش من مطلب تحقيق سريع إلى سجال سياسي حول أداء وزارة النقل ومساءلة الوزير كامل الوزير مباشرة.
في المقابل، انطلقت حملة تدوين على وسوم مدافعة عن كامل الوزير، ومروجة لإنجازات مزعومة لوزارته، ومنتقدة للناقدين والمطالبين بإقالته عقب الحادث.
اعتمد هذا التقرير على بيانات Meltwater لرصد كل المنشورات التي احتوت الوسوم؛ #كامل_الوزير، #كامل_الوزير_قاتل، #إنجازات_كامل_الوزير، #ادعم_كامل_الوزير.
وشملت العينة الفترة ما بين 19 حزيران/يونيو إلي 2 تموز/يوليو 2025، وتم تحليلها باستخدام أدوات تحليل المشاعر والتوزيع الجغرافي والتحليل الشبكي، لمعرفة مدى التنسيق بين المتفاعلين على الوسوم.
مؤشرات الحملات المنسقة
أشارت النتائج الأولية إلى أن النشاط الرقمي حول وسم #كامل_الوزير قد بدأ قبل الحادثة بفترة، إذ سُجلت أولى المشاركات يوم 19 حزيران/يونيو 2025 بعدد محدود لم يتجاوز عشر منشورات يومياً حتى 21 حزيران/يونيو. لكن مع دخول يوم 22 حزيران/يونيو، شهد النشاط تصاعداً لافتاً ليصل إلى 225 منشوراً، ثم ارتفع إلى 395 منشوراً في اليوم التالي.
ذروة النشاط وقعت يوم 26 حزيران/يونيو 2025، مباشرة بعد انتشار نبأ حادث طريق الدلتا الذي أودى بحياة عدد من الفتيات، إذ تجاوز عدد المنشورات اليومية في هذا اليوم وحده حاجز خمسة آلاف منشور، وهو ما يعكس مستوى الغضب الشعبي، لكنه يكشف أيضاً بداية دخول مجموعات من الحسابات منخفضة الوصول والتأثير للمشاركة الكثيفة في دفع الوسم، ما يرجّح بدء نشاط منسق.
وبينما كانت حملة #كامل_الوزير_قاتل قد بدأت فعلياً في 28 حزيران/يونيو بعدد قليل من المشاركات، إلا أنها سرعان ما سجلت ذروة طفيفة في 30 حزيران/يونيو بحدود 120 منشوراً، وكانت تتميز بمحتوى مباشر الاتهام، يستخدم مفردات صادمة وموجهة سياسياً؛ مثل: "دم البنات برقبة الوزير" أو "قاتل بربطة عنق". اللافت أن معظم هذه المنشورات جاءت من حسابات حديثة أو شبه خاملة، وبلغ متوسط التفاعل على التغريدة الواحدة 49 تفاعلاً؛ وهو رقم مرتفع نسبياً بالنظر لحجم الحسابات المشاركة، ما يعزز فرضية الترويج الآلي أو شبه الآلي.
وكرد فعل على الحملة الناقدة، بدأت الحملة الداعمة للوزير، تحت وسم #ادعم_كامل_الوزير و#إنجازات_كامل_الوزير، يوم 1 تموز/يوليو، بعد أن هدأ النقاش الطبيعي نسبياً، ما يشير إلى تدخل منظم لإعادة تشكيل الرأي العام وتحصين صورة الوزير بعد يومين من التصعيد الحاد. بلغ عدد المنشورات في هذه الحملة 473 منشوراً فقط، لكن توزيعها الزمني ووجود حسابات بعينها تكرر ظهورها بكثافة (مثل حساب @aborwanalp11056) يشير إلى محاولة توجيه الرسالة وليس فقط دعم عفوي.
أما من حيث أنماط التفاعل، فلم تبلغ نسبة المنشورات الأصلية في أي من الوسم الثلاثة سبعة في المئة، ما يدل على أن النقاش كان في ظاهره تفاعلياً، ولكنه عملياً مثقل بالتكرار. خاصة في الحملتين السلبية والإيجابية، معظم التفاعل جاء على شكل إعادة نشر لمنشورات محددة، مع غياب واضح للتعليقات الحرة، ما يعزز فرضية التنسيق.
تحليل المشاعر
يشير تحليل النتائج أن نحو 60 في المئة من وسم #كامل_الوزير كان مشحوناً بمشاعر سلبية صريحة، مقابل نسبة ضئيلة من التفاعل الإيجابي.
في المقابل، بدت حملة #كامل_الوزير_قاتل أكثر حدةً من حيث المحتوى، لكنها أقل عدداً؛ فقد توزعت مشاعرها بنسبة تقارب 45.5 في المئة سلبية، و53.5 في المئة محايدة، مع وجود 4 منشورات فقط ذات طابع إيجابي، ربما كانت ساخرة أو عكسية في المعنى.
أما الحملة الداعمة، فقد كانت مفاجئة من حيث التوزيع؛ إذ لم تتجاوز المنشورات الإيجابية فيها 33 في المئة (158 منشوراً)، في حين احتوت على 227 تغريدة سلبية، ما يشير إلى أن الناقدين تفاعلوا على وسوم الدفاع عن الوزير بالنقد والسخرية.
مع بداية النشاط في 19 حزيران/يونيو 2025، كانت معظم المنشورات إخبارية أو محايدة، لكن مع اقتراب 23 و24 حزيران/يونيو، بدأ المحتوى السلبي يطغى تدريجياً. وبلغت ذروة التفاعل السلبي في 26 حزيران/يونيو، إذ تزامن الغضب الشعبي مع دخول نمط مكرّر من المنشورات يتهم الوزير مباشرة بالتقصير أو المسؤولية عن "نزيف الطرق". في المقابل، لم تبدأ المنشورات ذات الطابع الإيجابي بالظهور إلا بعد 30 حزيران/يونيو، وتزامنت مع الحملة التي تبنّت خطاب "الوزير المقاتل".
وبرزت في المنشورات السلبية مفردات ناقدة؛ مثل: "قاتل"، "فساد"، "نزيف الأسفلت"، "دم البنات"، "الوزير يتحمل"، "إقالة فورية".
أما في التغريدات الداعمة، فظهرت مفردات، تروج لانجازات مزعومة للوزير وتفانيه في العمل؛ مثل: "مقاتل" و"بنى 7000 كم طرق" و"تطوير السكك الحديدية" و"رؤية الرئيس".
واستخدمت بعض المنشورات عبارات ذات طابع ساخر؛ مثل: "قاتل ولكنه أنجز"، وهو ما أثر على التفاعل على الوسم المدافع عن كامل الوزير.
التحليل الجغرافي
"أغلبية المنشورات حول وسم #كامل_الوزير انطلقت من داخل مصر، لكن اللافت كان مشاركة فاعلة لحسابات متمركزة في الخليج والغرب، ما يعكس تداخل الخطاب المحلي مع أبعاد إقليمية وربما دولية.
أظهر تحليل التوزيع الجغرافي أن مصر تصدّرت بشكل واضح المشاركة في النقاش حول كامل الوزير، حيث سجّلت 3123 منشوراً من أصل المنشورات الكلية في الوسم العام. تلتها السعودية بـ 706 منشورات، ثم قطر بـ 572، فالولايات المتحدة بـ 395، والمملكة المتحدة بـ 215 منشوراً.
في المقابل، سجّلت حملة #كامل_الوزير_قاتل نسب مشاركة أقل، ولكنها موزعة بشكل لافت على بلدان؛ مثل بولندا وأستراليا وتونس، ما قد يشير إلى استخدام أدوات خارجية أو VPN لاخفاء التحليل الجغرافي.
أما الحملة الإيجابية (#ادعم_كامل_الوزير)، فقد بدت أكثر محلية، حيث جاءت 29 في المئة من المشاركات من مصر وحدها (139 منشوراً من أصل 473)، تليها السعودية والكويت وعُمان، وهو ما يعكس وجود تفاعل خليجي داعم للنظام المصري.
تكشف خطابات وسم #كامل_الوزير عن ثلاث سرديّات رئيسية تتصارع فيما بينها لتشكيل الوعي العام. يأتي في مقدمتها خطابٌ يحمل الوزير المسؤولية المباشرة عن الحادثة. تكرر في هذا الخطاب استخدام مفردات صادمة مثل "قاتل" و"دم البنات" و"نزيف الأسفلت" و"إقالة فورية".
في المقابل، ظهر خطابٌ مناقضٌ بشكل كامل، اعتمد السرد على تمجيد شخص كامل الوزير بوصفه "المقاتل" الذي استطاع إنجاز مشروعات كبرى مثل "7000 كم من الطرق"، مع استدعاء متكرر لعبارات ذات بعد وطني وسياسي مثل "رؤية الرئيس" و"تحيا مصر". حرص هذا الخطاب على إبراز الأرقام الكبيرة والتأكيد على الإنجازات لخلق انطباع بالكفاءة، كما ركز بشكل لافت على خلفية الوزير العسكرية والانضباط المرتبط بها، في محاولة مباشرة للتصدي للاتهامات التي توجه إليه.
أما الخطاب الثالث، فكان خطاباً ساخراً، تسلل بين الوسوم المؤيدة والمعارضة، معتمداً على إعادة صياغة عبارات؛ مثل "قاتل ولكنه أنجز" أو طرح تساؤلات ساخرة حول "مدى واقعية الإنجازات على أرض الواقع". تميزت الحسابات التي اعتمدت هذا الخطاب بامتلاكها قواعد متابعة واسعة، وهو ما أتاح انتشاراً أكبر لهذه المنشورات الساخرة مقارنة بالمنشورات ذات الطابع المنسق.
ظهر ذلك في بعض الأمثلة المحددة؛ مثل منشور حساب @ERC_egy يوم 26 حزيران/يونيو، الذي ربط بشكل مباشر بين حادثة وفاة الفتيات ومسؤولية الوزير، كذلك برز حساب @msh16999 بمنشوره يوم 28 حزيران/يونيو الذي وصف الوزير بـ"القاتل بربطة عنق"، والتي بدت الأكثر حدة بين المشاركات.
على الجانب الآخر، حاول حساب @aborwanalp11056 في الأول من تموز/يوليو مواجهة هذه الاتهامات بتمجيد الوزير والتركيز على ما وصفه بإنجازاته الملموسة، في حين جاء منشور @ahmedamara37 في الثاني من تموز/يوليو لتدمج الدعم بالسخرية عبر تساؤل حول جودة تلك الطرق المعلن عنها.
ومن خلال التعمق في الخطاب بشكل عام، برز هيمنة الخطاب الناقد الذي شكّل نحو نصف المشاركات تقريباً، في حين اكتفى الخطاب المؤيد بنسبة أقل بكثير.
يكشف تفكيك البنية الشبكية لحملات وسم #كامل_الوزير عن نمط اتصالٍ واضح يعتمد على نموذج المحور والأذرع (Hub-and-Spoke)، إذ تتمحور عملية النشر حول مجموعة محدودة من الحسابات التي تتولى إطلاق المحتوى الأساسي، في حين تقوم عشرات الحسابات الأخرى بإعادة النشر أو الترويج الحرفي له. هذا النموذج يعكس درجة من المركزية المرتفعة، وهو أحد أبرز مؤشرات التنسيق المسبق في الحملات الرقمية الموجهة.
في وسم #كامل_الوزير، كان أبرز هذه الحسابات المحورية حساب @mouradaly الذي أعاد نشر من 513 منشوراً أصلياً خلال فترة الرصد، وهو رقم لا يمكن تفسيره على أنه سلوك فردي عادي.
إلى جانبه، ظهرت حسابات مثل @roowith7 بـ89 منشوراً و@jwrj444152، و@pewvfb9qameafph، وهي حسابات تتشابه في كونها منخفضة التفاعل، وتعمل بتركيز على تكرار الرسائل من دون تغيير، ما يرفع احتمالية أن تكون ضمن شبكة شبه آلية أو موجَّهة مركزياً.
وعند تطبيق خوارزمية Louvain لتحليل المجتمعات الفرعية داخل شبكة إعادة النشر، ظهرت ثلاث كتل شبكية رئيسية ذات تماسك داخلي واضح. الأولى تمثل المجتمع الداعم للوزير، وتركّزت حول الحساب @aborwanalp11056 الذي سجّل وحده 41 منشوراً داخل حملة #ادعم_كامل_الوزير. هذه الكتلة اتسمت بنمط تكراري، إذ اعتمدت على استخدام الجمل نفسها بصيغ شبه مطابقة، مع تغييرات طفيفة في ترتيب الكلمات، في محاولة على ما يبدو لتجاوز خوارزميات الكشف عن التكرار.
المجتمع الثاني تمحور حول حسابات الحملة السلبية، وأبرزها @msh16999، الذي ظهر مصدراً رئيسياً لمنشورات تستخدم وسم #كامل_الوزير_قاتل، بنبرة ناقدة. اللافت أن هذه المجموعة عملت ضمن موجات زمنية محددة ثم اختفت، ما يعزز فرضية أنها نُشّطت لأداء مهمة محددة ثم توقفت.
أما المجتمع الثالث، فهو الأكبر من حيث الحجم، وضمّ الحسابات المرتبطة بالوسم العام #كامل_الوزير، وكان يتسم بكثافة عالية من التكرار والمحتوى كثيف التنوع، وظهر فيه بوضوح عدم الاعتماد على مجموعة حسابات ثابتة تعيد نشر محتوى موحد بتوقيت متقارب.
الحسابات المؤثرة
تبيّن من فحص الحسابات الأكثر نشاطاً أنّ المشهد الشبكي تقوده أربعة أسماء رئيسية، لكلٍّ منها بصمة مميزة تقترح دوراً وظيفيّاً أكثر منه تفاعلاً عادياً. في الصدارة جاء حساب @mouradaly، الذي يملك قرابة سبعين ألف متابع؛ وخلال أسبوعين فقط ضخّ عشرات المشاركات، 96 في المئة منها ردود مكرّرة على تغريدات آخرين بصيغة واحدة تقريباً، فيما لم ينشر إلا 18 منشوراً أصلياً.
هذا التدفق غير المتوازن حجمٌ هائل من الردود القصيرة الموحَّدة مقابل شحّ في المحتوى الجديد يكشف عن استخدام الحساب محرّكِ دفعٍ آليٍّ لرفع الوسم في خانات "الأكثر تداولاً" لا كمحاورٍ حقيقي يعتمد على التفاعل البشري.
إلى جواره يقف @roowith7، بحصيلة 89 منشوراً في فترة الرصد، رغم أن متوسط وصوله لا يتجاوز بضع عشرات من المشاهدات. هذا التفاوت بين ضآلة الجمهور وكثافة النشر هو أحد ملامح حسابات "الذراع" التي تتلقى المادة من المحور وتعيد ضخَّها بلا انقطاع. اللافت أنّ نصف محتوى هذا الحساب تقريـباً منشورات أصلية قصيرة لا تتعدى سطراً واحداً، تتكرر فيها مفردات "نزيف الأسفلت" و"إهمال الوزير" بتطابق شبه حرفي، ما يعمّق الشكوك في اعتماده على قوالب جاهزة أو سكربتات نشر تلقائي.
على الجانب الآخر من السردية، تصدَّر @msh16999 دفّة الحملة الاتهامية تحت وسم #كامل_الوزير_قاتل. الحساب بالكاد يملك 150 متابعاً، لكنّه نشر47 منشوراً في ثلاثة أيام، معظمها ردود على مصادر إخبارية محلية بهدف حقن الاتهام المباشر وسط سيل التعليقات. يُلاحَظ أنّه لا يكتب شيئاً خارج الموضوع؛ لا آراء رياضية ولا ترفيهية ولا حتى مشاركات حوارية، وكأن الحساب صُمّم حصرياً لهذه المهمة، في ما يشبه "حساباً ميدانيّاً" يُفعَّل وقت الحاجة ثم يخفت.
أما معسكر الدفاع فاعتمد أساساً على @aborwanalp11056 الذي كرر 41 منشوراً، أغلبها يبدأ بصيغة ثابتة عبارة عن الوسم نفسه و وسوم مصاحبة له،. رغم أن صاحب الحساب لا يتجاوز متابِعيه الألف، فقد استُخدم كمنصة تضخيم داعمة، في محاولة لصدّ موجة الغضب. ومن تحليل وقت النشر يتبيّن أنّ نشاطه يبلغ ذروته بعد منتصف الليل بتوقيت القاهرة، ما يوحي إما بجدولة مؤتمتة أو بفريق يناوب على إدارة الحساب خارج ساعات الذروة المصرية المعتادة.
سلوك هذه الحسابات الأربعة يُظهر نمطاً متشابهاً: كثافة نشر غير متسقة مع حجم الجمهور، افتقار شبه كامل للتفاعل البشري الطبيعي، وتفرغ تامّ لخطاب واحد اتهامي أو بطولي. يُضفي هذا النمط على الشبكة صبغةً منسقة، ويؤكّد أنّ الخطاب المتصدر لم يكن وليد تفاعل عضوي، بل نُسِّق بعنايةٍ عبر حسابات مصمَّمة خصيصاً لدفع السردية بالاتجاه المطلوب.