تصاعدت موجة من الغضب الشعبي في صنعاء الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، إثر الكشف عن اتهامات خطيرة لقيادات حوثية بارزة، وعلى رأسهم مهدي المشاط، رئيس مجلس الحكم، بالتورط في استيراد وتهريب مبيدات زراعية إسرائيلية ممنوعة في أوروبا، تحت غطاء مزاعم كاذبة عن سلامتها.
وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع معلومات تشير إلى أن هذه المبيدات، التي يتم بيعها دون رقابة، تُسبب أمراض السرطان وغيرها من الأمراض المزمنة، ممّا أثار قلقًا كبيرًا بين أوساط السكان.
وفي محاولة لتهدئة الرأي العام، ظهر المشاط في لقاء تلفزيوني على قناة اليمن التابعة للحوثيين، مدعيًا أن "المطالب الشعبية بوقف تداول المبيدات حملة مسعورة جائرة".
ولكن، تظل حقيقة هذه الادعاءات موضع شك كبير، خاصةً مع تزايد الأدلة التي تُثبت خطورة هذه المبيدات على صحة الإنسان والبيئة
أجرى فريق منصة مُسند تحليلاً لخطاب مهدي المشاط، رئيس اللجنة الثورية العليا للحوثيين، حول المبيدات المحظورة والمصنع أثناء لقاءه على قناة اليمن التابعة لجماعة الحوثي مع وزارة الزراعة واللجنة التي شُكلت لتحديد أصناف المبيدات المسموح باستخدامها، وذلك بناءً على الأدلة المتاحة من المصادر المفتوحة والمعلومات الدقيقة من مصادر موثوقة أظهر التحليل تناقضات واضحة بين ادعاءاته والواقع، حيث تم التأكيد على استمرار الحوثيين في استخدام المبيدات المحظورة، مما يُشكل خطرًا كبيرًا على الصحة العامة والبيئة في اليمن.
ففي حين ينفي المشاط استخدام المبيدات المحظورة، تشير تقارير منظمات حقوق الإنسان مثل "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية" إلى عكس ذلك، بينما تُظهر تقارير صحفية من وسائل الإعلام المحلية والعالمية بيع الحوثيين للمبيدات المحظورة.
وعلى الرغم من الادعاء بأن حظر بروميد الميثيل غير منطقي ويضر بالزراعة، تُظهر الدراسات العلمية أن هذا المبيد مسرطن وله تأثيرات ضارة على الصحة والبيئة، بينما تُشير وثائق مسربة من وزارة الزراعة الحوثية إلى تورط قيادات حوثية في استيراد وبيع بروميد الميثيل.
وفي محاولة لتبرير انتشار السرطان في اليمن، يتهم المشاط التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية باستخدام الأسلحة الكيميائية، بينما لا توجد أدلة قوية تدعم هذا الادعاء، وبينما تُظهر بيانات منظمة الصحة العالمية ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان في اليمن، بينما تربط شهادات السكان المحليين في صنعاء ازدياد حالات الإصابة بالسرطان باستخدام المبيدات المحظورة.
وعلى الرغم من نفي المشاط أن يكون المصنع يشكل خطرًا على المواطنين، لا توجد معلومات كافية حول طبيعة المصنع وموقعه وعملياته لتقييم المخاطر المحتملة، بينما تُظهر تجارب سابقة مع مشاريع حوثية أخرى أن هناك مخاوف مشروعة بشأن سلامة المواطنين
ويُظهر سياق خطاب المشاط أنه يهدف إلى تبرير استخدام الحوثيين للمبيدات المحظورة ودحض الاتهامات الموجهة إليهم.
السياق:
شهدت اليمن، خلال السنوات الماضية، ارتفاعا كبيراً في حالات الإصابة بالسرطان، ووصلت عدد الحالات إلى 35 ألف منها، أكثر من ألف طفل، خلال 2019م، بحسب بيانات منظمة الصحة العالمية.
وقال مدير العلاقات العامة في المركز الوطني لعلاج الأورام بصنعاء، "نستقبل كل يوم على الأقل 25 حالة جديدة، ويغادر الكثير من المرضى دون أي أمل بالعودة لتلقي العلاج بسبب عدم قدرتهم على تحمل هذه التكاليف".
كما تستقبل مراكز متفرقة ببقية المحافظات، حالات جديدة كل يوم. مصادر طبية أرجعت أسباب تضاعف تلك الأعداد لانتشار المبيدات الزراعية والأسمدة المحظورة والمحرمة دوليا، والتي
تقوم جماعة الحوثي باستيرادها والاتجار بها من خلال تاجر الجماعة للمبيدات، عبد العظيم أحمد دغسان، الشخصية النافذة، وتاجر السموم الأول في اليمن.
ومؤخراً كشف تقرير صادر عن "مجلس النواب" الحوثي عن انتشار واسع للمبيدات المحظورة في مناطق سيطرة الجماعة، مما يشكل خطرًا كبيرًا على الصحة العامة والبيئة، ووفقًا للتقرير، فقد دخلت 39 مادة من المبيدات الممنوعة إلى مناطق سيطرة الحوثيين.
وبخصوص مبيد بروميد الميثيل الاسرائيلي، بيَّن التقرير أنه وصل إلى المنافذ الجمركية، ولم يكن من المبيدات المسجلة أو المصرَّح باستيرادها كونه مبيداً محظوراً، وأن جميع الإجراءات التي جرى القيام بها لإدخاله مخالِفة للقانون رقم 25 لسنة 1995 بشأن تنظيم تداول المبيدات والآفات النباتية ولائحته التنفيذية. وأكد، أن ما تسمى «وزارة الزراعة والري»، قامت بعمل آلية تنظيمية لاستيراد المبيدات المقيدة، والإشراف على استخدامها، بناءً على رغبة التجار المستوردين.
وأعلنت اللجنة في تقريرها أنه بعد مطابقتها قوائم المبيدات بأنواعها الواردة إليها من وزارة الزراعة والري، والهيئة العامة لحماية البيئة، لاحظت وجود 22 صنفاً من المبيدات المسموح بتداولها واستخدامها في قوائم الهيئة، منها 17 مبيداً يتقيد استخدامها بشدة، و5 أصناف أخرى محظورة. كما أظهرت الوثائق دخول 38 طناً من مبيد بينفثرين، و20 طناً من مبيد سيبرمثرين، وهي من ضمن المبيدات المحظورة.
وكشف التقرير أن حملة التفتيش على محال بيع المبيدات، والتأكد من تخزينها وأنواعها توقفت منذ 5 سنوات، وذكر أن هناك قصوراً شديداً في تنفيذ حملات التفتيش والرقابة الدورية وبصورة مفاجئة ومنتظمة، على بيع وتداول المبيدات، حيث كانت آخر حملة رسمية في عام 2019.
وبشأن فحص الأثر المتبقي من المبيدات على المنتجات والمحاصيل الزراعية التي تباع في الأسواق المحلية، ذكر التقرير أن الفحص يقتصر على المنتجات الزراعية التي يجري تصديرها إلى الخارج فقط.
وأظهرت وثائق سربتها قيادات حوثية فيما يسمى "وزارة الزراعة" الحوثية، إقرار الحوثي بأنه سمح لعدد من التجار التابعين له من بينهم دغسان باستيراد أكثر من 5 ملايين لتر من المبيدات والسموم خلال الفترة من 1 أغسطس/آب 2023 وحتى 14 يناير/كانون الثاني 2024.
وثيقة أخرى، موجهة مما يسمى وزير الزراعة للحوثيين عبدالملك قاسم الثور إلى وكيله ضيف الله شملان كشفت عن أن كمية المبيدات التي تم التصريح باستيرادها من قبل المليشيات خلال عام 2023 فقط، بلغت (14,465,888) لترا، ووصفت ذلك بـ "الجريمة ضد الإنسانية".
وافادت مصادر أمنية في صنعاء الاثنين من 29 ابريل 2024م بأن التاجر والقيادي المتحوث عبد العظيم دغسان المتورط رفقة قيادات حوثية بارزة في تهريب وادخال شحنة المبيدات الاسرائيلية المسرطنة التي اثارت مؤخراً جدلا واسعا في أوساط اليمنيين استنجد نيابةً عن عدد من شركائه السريين في الجماعة الانقلابية بقيادات حوثية رفيعة بطمس الفضيحة والافلات من تنفيذ الامر القهري الصادر من احدى المحاكم الحوثية والذي نص بالقاء القبض عليه واغلاق محلاته التجارية.
ويعد "بروميد الميثيل" هو مادة عضوية سامة تصنع بشكل رئيسي في دولة الاحتلال الإسرائيلي، وبإمكانها وفقا للأبحاث، إتلاف الجهاز العصبي للشخص الذي يتعرض لها بشكل مباشر، كما أنها سبب مباشر للعديد من الأمراض التي تصيب الأشخاص الذين يتناولون الفواكه . والمزروعات التي تتعرض للمادة
ويخضع المركب للرقابة وفقا لبروتكول مونتريال عام 1988، وميثاق فيينا عام 1992، وهما اتفاقيتان وقعت عليهما اليمن باعتباره من المواد التي تضر بطبقة الأوزون، وبدأت الدول تحظر استعماله منذ توقيع الاتفاقيتين، بينما انتهت فترة التقليل من استعماله في الدول النامية في العام 2010.
ويمكن الاطلاع على المزيد من التفاصيل حول هذا المبيد في هذا الرابط: بروميد الميثيل
وأثار انتشار المبيدات المحظورة قلقًا كبيرًا بين أوساط السكان في صنعاء الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، مما دفع نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بشن حملة إلكترونية على منصة إكس بوسم #المشاط_تاجر_المبيدات_الاسرائيليه الحملة وصل 10,978 تغريد وإعادة تغريد وردود بالهاشتاق.
وهاجم مهدي المشاط، رئيس مجلس الحكم للحوثيين، المعارضين لتداول المبيدات المحظورة، واتهمهم بالعمل ضمن "خلايا تجسس" تهدف إلى تدمير الزراعة، مبيناً رفضه لحملة الشعبية ضد المبيدات، كما أنه نفى وجود ضرر من إقامة مصنع للمبيدات في مديرية بني مطر، معتبرًا أنّها ضرورية لمكافحة الأوبئة والآفات.