مجتمع التحقق العربيهو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها
"عندما يكون تأثير سعر الصرف على حياة المصريين وممكن يضيعهم، لا إحنا ما نقعدش في مكانا"، هذه كانت بداية تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي عن سعر صرف العملة في يونيو 2023، قبل نحو عام، خلال إحدى مؤتمرات الشباب، وأكمل كلامه: "أنت بتقول النهاردة كيلو اللحمة بـ300 جنيه، عشان سعر الصرف 30 و35 جنيه، طيب أنت بقى لو عايز تخليه 50 المواطن يعمل إيه؟.
اليوم وصل سعر صرف الجنيه أمام الدولار إلى 50 جنيهًا، وهو ما ينبئ بزيادة جديدة في الأسعار وارتفاع معدلات التضخم.
جاء تصريح الرئيس السيسي، بعد حوالي 6 أشهر، من موافقة صندوق النقد على إقراض مصر 3 مليارات دولار، قبل رفع قيمة القرض في مارس 2024 إلى 8 مليارات دولار، وهو الاتفاق الذي يلزم بتطبيق سعر صرف مرن. (1)
-في هذا التقرير يرصد صحيح مصر رحلة انخفاض الجنيه أمام الدولار في 10 سنوات، وما الأسباب وراء هذا الانخفاض، ومدى تأثير هذا الانخفاض على الأسعار، وحياة المواطنين في مصر.
دحض الإدعاء
كيف يؤثر انخفاض سعر الجنيه على المواطنين؟
-يقول محمد عبد الحميد، 26 عامًا، إنه يشعر وكأنه دخل سباقًا مع الدولار خلال العامين الماضيين خلال تشطيب شقته: "كل ما احوّش مبلغ علشان أشتري خامات للشقة ألاقي الأسعار رفعت، استنى كام شهر وارجع أشوف نفس المنتجات ألاقيها رفعت تاني، كأني بجري في نفس المكان".
ويضيف: "الأمر يتكرر مع كل الخامات اللازمة لتشطيب الشقة سواء دهانات أو موبيليا أو سيراميك، والحجّة دايمًا عند البائع سعر الدولار رفع لأن الخامات مستوردة". ويتابع: "طيب أنا بقبض بالجنيه، دخلي إيه بالدولار اللي معطلني ورفع التكلفة عليا أضعاف ما كنت ممكن أصرفه من سنتين".
-إذ على الرغم من زيادة الحد الأدنى للأجور إلى 6000 جنيه حاليًا مقابل 1200 جنيه في يناير من عام 2014، إلا أن تلك القيمة انخفضت عند حسابها بالدولار من 167 إلى 120 دولارًا، وهو الحد الذي لا تلتزم به الكثير من شركات القطاع الخاصة حتى الآن.
ويردف عبد الحميد: "ده مثال واحد، من أمثلة كتير متتعدش، واديك شايف كل يوم أسعار الأكل والشرب في الطالع، تسأل ليه يقولك الدولار، طب وبعدين؟"
رحلة الجنيه مع الدولار
-في نوفمبر من عام 2016، كان سعر الدولار قد بلغ 8.85 جنيهًا، قبل أن يقرر البنك المركزي تحرير سعر الصرف، في إطار ما أطلقت عليه الحكومة حينها "برنامج الإصلاح الاقتصادي"، ليصل سعر الدولار بنهاية العام إلى حوالي 18 جنيهًا. (2)
-عقب أيام من قرار "التعويم" بدأت رحلة الحكومة مع صندوق النقد الدولي، إذ وافق مجلسه التنفيذي في 11 نوفمبر على عقد اتفاق مع مصر للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار لفترة تصل إلى 3 سنوات. (3)
-وبعد أكثر من ست سنوات على القرار الأول لـ "التعويم"، قرر البنك المركزي في مارس 2022، تحريك سعر صرف الجنيه أمام الدولار من جديد، ليرتفع سعر الدولار من 15.66 جنيه إلى 18.44 جنيه في أبريل، وبنهاية أكتوبر من ذات العام حرّك البنك المركزي سعر صرف الجنيه من جديد ليصل الدولار إلى حوالي 24 جنيهًا. (4)
-لتعود الحكومة، وتعلن في ديسمبر 2022، اتفاقها مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار. (5)
-ومع بداية عام 2023، حرّكت مصر سعر صرف الجنيه للمرة الثالثة خلال أقل من عام، حتى وصل سعر الدولار بنهاية يناير إلى ما يقارب 30 جنيهًا. (6)
-ومنذ يناير 2023 وحتى مارس 2024، استقر سعر صرف الدولار مقابل الجنيه عند حوالي 31 جنيهًا بالتزامن مع مواجهة المستوردين صعوبات في توفير العملات الأجنبية من البنوك ونشاط سعر العملات الأجنبية بالسوق الموازية وفقًا لرصد صحيح مصر. (7)
-حتى قرر البنك المركزي تحريك سعر صرف الجنيه للمرة الرابعة خلال عامين في مارس الماضي، ليتراوح الدولار ما بين 47 و49 جنيهًا. ويعلن الصندوق بعدها موافقته على زيادة قرض مصر من 3 إلى 8 مليارات دولار. (8)
-قبل أن يتجاوز سعر الدولار مقابل الجنيه حاجز الـ50 جنيهًا بالبنوك الرسمية في تعاملات اليوم الخميس، وتتزامن هذه الحركة في السوق الرسمية مع استمرار صعود العقود الآجلة غير القابلة للتسليم للدولار مقابل الجنيه 58.85 جنيه بحسب بلومبرج. (9)
كيف أثر الإصلاح الاقتصادي على التضخم؟
-في أبريل 2017، أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تقريرًا لمتابعة برنامج صندوق النقد الدولي مع مصر، وقالت فيه إن "السياسة النقدية فشلت في احتواء التضخم الناتج عن قرار تحرير سعر صرف الجنيه، كما أن المواطنين تحملوا الأعباء الناتجة عن رفع أسعار الوقود بدون تحقيق الهدف المتمثل في خفض الإنفاق الحكومي عليه بسبب ارتفاع تكاليف استيراده جراء التعويم. (10)
-وفي العام 2017/ 2018، ارتفعت نسبة الفقراء إلى 32.5% مقابل 27.8% عام 2015، بحسب بيانات بحث الدخل والإنفاق الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، ثم انخفضت إلى 29.7% عام 2019/ 2020.
-قبل أن يتوقف الجهاز عن إصدارها بتعليمات أمنية بسبب ارتفاع نسبة الفقراء إلى مستويات غير مسبوقة، بحسب ما قالته مصادر في تقرير سابق لصحيح مصر. (11)
-وفي يوليو الماضي، أصدرت المبادرة المصرية تقريرًا لمتابعة برنامج صندوق النقد الدولي الأخير مع مصر، وقالت فيه إنه "بعد مرور أكثر من عام ونصف على تطبيق البرنامج، لم يتمكن الاقتصاد المصري من تجاوز عدم الاستقرار والعواصف المالية وزيادة الديون".
وأشار التقرير إلى تراجع النمو في الناتج المحلي، وبتكلفة عالية جدًا بسبب سياسات التقشف ورفع أسعار الخدمات العامة، وينتظر أن تتزايد بسبب ذلك أعداد المصريين الفقراء بالملايين. (12)
كيف أثر تحرير سعر الصرف على الاقتصاد المصري؟
- قال أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأمريكية عمرو عدلي، في تصريح لبي بي سي في ديسمبر 2022، إن إصرار صندوق النقد على تطبيق مصر سعر صرف مرن، في ظل نقص العملة الأجنبية، يُحدث انخفاض كبير ومستمر في سعر العملة المحلية. (13)
-رأي عدلي يستند إلى أن مصر مستورد أساسي للغذاء والوقود، وبالتالي أي انخفاض في سعر العملة المحلية يؤدي بالضرورة إلى ارتفاع شديد في معدلات التضخم، وخاصة مع وجود اختلالات كبيرة في الميزان التجاري.
-وأضاف عدلي أن الروشتة الاقتصادية لصندوق النقد الدولي لم تتغير منذ السبعينات، إذ أن السياسية النقدية المرنة التي يطالب بها تزيد من التكاليف الاجتماعية على المواطنين.
-وشرح أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة هشام إبراهيم، في تصريح لبي بي سي في أكتوبر 2023، أن مشكلة الاقتصاد المصري تتمثل في شُحّ الدولار، وبالتالي فإن سعر الصرف لن يكون عاملًا حاسمًا في حل مشكلة الاقتصاد المصري، والدليل أن انخفاضات الجنيه المتتالية لم تؤت بثمارها بل رفعت معدلات التضخم. (14)
ما أسباب شُحّ الدولار؟
-السبب الرئيس هو أن الاقتصاد المصري ريعي بالأساس، ويقصد بالاقتصاد الريعي البلدان التي تعتمد في القسم الأعظم من دخلها على موارد تأتي من خارج الاقتصاد كالمعونات الأجنبية أو تحويلات العاملين أو العوائد المتصلة بالموقع كقناة السويس والسياحة، بحسب مركز كارنيغي للشرق الأوسط. (15)
-ومن ثم تفوق واردات مصر صادراتها على الدوام. إذ بلغ عجز الميزان التجاري لمصر، أي الفارق بين قيمة الواردات والصادرات، نحو 39.6 مليار دولار خلال العام الماضي 2023/ 2024 مقابل 31.2 مليار دولار في عام 2022/ 2023.
-علاوة على تدشين مصر لمشروعات ضخمة في ظل محدودية مواردها، مما استنفذ احتياطياتها وأثقل كاهلها بالديون. وبلغت حجم ديون مصر بنهاية يونيو الماضي نحو 152.885 مليار دولار.
-في سبتمبر 2023، قال أشخاص مطلعين على المحادثات المصرية مع صندوق النقد الدولي لـ"بلومبرج الشرق"، إنه "في ظل تكثيف المحادثات مع صندوق النقد الدولي، يركز الصندوق الآن على كيفية إدارة مصر لعملتها، فضلًا عن محاولة الحصول على مزيد من الوضوح بشأن الإنفاق العام الذي يشمل المشاريع الكبرى". (16)
-ورأى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في تقرير له بتاريخ نوفمبر 2023، إن العاصمة الإدارية الجديدة، التي تكلفت نحو 45 مليار دولار، أثقلت كاهل مصر بالديون واستنزفت احتياطاتها من النقد الأجنبي. (17)
-كما قالت مجلة فورين بوليسي، في تقرير لها في أغسطس 2022، إن مشروع قناة السويس الجديدة، الذي كلّف الدولة 8.5 مليارات دولار، "لا يزال من غير الواضح" ما إذا كان جنى ثماره. (18)