مجتمع التحقق العربيهو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها
يُصنف حسام -اسم مستعار- نفسه كواحد من "المحظوظين" الذين لا يعاني هو وأسرته من القطع المستمر للكهرباء في القاهرة الكبري منذ أغسطس 2023، وحتى الآن، إذ يُسكن بمدينة الشروق، أحد التجمعات العمرانية في شرق القاهرة التي حصلت على اهتمام حكومي استثنائي في العشرة سنوات الأخيرة، ولا يفصل بينها وبين العاصمة الإدارية الجديدة سوى قرابة 40 كيلومترًا.
حسام وأخرون في مناطق متفرقة بالقاهرة الكبرى، لا تنقطع الكهرباء عن منازلهم، الإ نادرًا، منذ بداية الأزمة العام الماضي، لأسباب مختلفة ما بينها وجودهم في خطوط كهربائية واحدة تغذي منازل شخصيات مسؤولة في الدولة تسكن في محيط منازلهم، أو لوجودهم في دائرة تتعلق بمؤسسات سيادية، فيما يعرف بـ "قائمة المناطق المستثناة"، وفي بعض الأحيان تتدخل المحسوبية طرفًا في الإخلال بعدالة توزيع تخفيف الأحمال، وزيادة قائمة الاستثناءات.
دحض الإدعاء
** عدالة توزيع مدة تخفيف الأحمال
منذ نحو عام وتحديدًا منذ يوليو 2023، وبدأت الحكومة المصرية خطة تخفيف الأحمال، وحددت في البداية مدة قطع الكهرباء عن منازل المواطنين بساعة واحدة فقط يوميا.
ولكن لم تلتزم الحكومة بتلك المدة، إذ رصد صحيح مصر عبر خريطة تفاعلية، عدم وجود عدالة في توزيع تخفيف الأحمال، إذ بلغت مدة انقطاع الكهرباء في بعض المناطق الشعبية وفي الأقاليم والقرى خلال العام الماضي ثلاث ساعات، في حين ظلت بعض المناطق في مأمن عن قطع الكهرباء، بحسب عدة مصادر تحدثت إلى صحيح مصر.
ومع زيادة تخفيف الأحمال إلى ثلاث ساعات، منذ بداية الأسبوع الجاري، زادت المدة في المناطق النائية إلى خمس وست ساعات، وأكثر من ذلك في بعض الأحيان، ولازالت تقطع الكهرباء نادرًا في بعض البنايات والمناطق الأخرى، فيما يعرف في جدول توزيع تخفيف الأحمال "المناطق المستثناة".
** جيران الحكومة
طارق- اسم مستعار- وهو موظف في مدينة الإنتاج، ويسكن كمبوند دار مصر الحكومي، للإسكان المتوسط، في مدينة حدائق أكتوبر، يقول إن الكهرباء منذ العام الماضي لم تنقطع عنه سوى أيام قليلة للغاية تعد على أصابع اليد الواحدة، ولمدة لساعة واحدة فقط.
ويقول إن السبب في ذلك هو أن جاره في العمارة الملاصقة موظف "كبير في جهاز حدائق أكتوبر"، وأوصى بعدم قطع الكهرباء عن منزله، مشيرا إلى أن الأمر معروف بين السكان، فرغم إنقطاع الكهرباء لمدة ساعتين وثلاث ساعات عن جميع بنايات الكمبوند والبالغة 250 بناية تقريبًا، لا تنقطع الكهرباء عن عمارته والعمارة المجاورة التي يقطنها "الموظف الكبير".
حُسام -اسم مستعار- وهو موظف بمصلحة الضرائب في فرعها بمدينة نصر، ويسكن في مدينة الشروق، كان أكثر حظا من طارق، يقول إنه منذ الصيف الماضي وبداية انقطاعات الكهرباء، لم تنقطع الكهرباء محيط سكنه سوى ثلاث مرات فقط، على مدار العام.
ويقول: "انا ساكن في دار مصر اللى في الشروق، وعلى مدار الـ10 أشهر اللى فاتت، النور مقطعش في دار مصر أو محيطه غير 3 مرات، مرة منهم في شهر سبتمبر ومرة في رمضان ومرة في شهر مايو، كل مرة فيهم أقصى قطع بيبقى 45 دقيقة".
ويبرر "حسام" ذلك بأن محيط المنطقة التي يسكن فيها يقطن بها عدد من الوزراء السابقين في حكومات إبراهيم محلب وشريف إسماعيل، كاشفا أن غالبية مناطق الشروق لا تعاني من انقطاعات للكهرباء إلا نادرًا.
ويقطن مدينة الشروق نحو 400 ألف نسمة، بحسب تصريحات رئيس المدينة في 2023، ويقول حسام أن الأمر لا يقتصر على مدينة الشروق وحدها، ولكن نفس الأمر يتكرر في محل عمله بمصلحة الضرائب الموجودة في مدينة نصر في نفس الشارع المقر الرئيس لهيئة الرقابة الإدارية.
ويقول: "مقر مصلحة الضرائب موجود في منطقة أرض الجولف تحديدا شارع النزهة وده نفس الشارع اللي فيه هيئة الرقابة الإدارية، الشارع ده هو الشارع الوحيد اللى مبيحصلش ليه تخفيف أحمال في محيط دائرة النزهة، سواء صباحا أو مساء بسبب عمل هيئة الرقابة الإدارية، لاني بشتغل ورديات صباحية ومسائية وبسأل زمايلي في المصلحة، مبيحصلش قطع علينا في الضرايب نهائيا، ولما سألنا قالوا دى تعليمات عشان وجود هيئة الرقابة الإدارية".
ولكن الأمر لم يقتصر على مقر عمل الهيئة، إذ يقطن عمرو -اسم مستعار- في منطقة تقسيم النيابة الإدارية بالمعادي الجديدة، بعدما استأجر شقة من وكيل نيابة، ويقول إن الكهرباء لا تنقطع في محيط تقسيم مساكن النيابة الإدارية، سوى مرتين أسبوعيًا أو ثلاثة على الأكثر، ولمدة ساعة واحدة فقط.
يقول عمرو إنه "استأجر الشقة من وكيل نيابة شاب، يملك هذه الشقة في التقسيم الذي يتكون غالبية سكانه من وكلاء نيابة وأسرهم، وفي فترة عيد الأضحى رغم إن الكهربا كانت مقطوعة عن غالبية القاهرة والمعادي، لم تنقطع في التقسيم طوال عطلة العيد، وحتى في الأيام العادية قطع الكهرباء يكون ما بين يومين إلى ثلاثة أيام في الأسبوع، لمدة ساعة واحدة فقط".
شيرين مُدرسة لغة عربية بمدرسة حدائق حلوان الابتدائية، تقطن مساكن النصر للسيارات بمنطقة وادي حوف التي تقع ضمن نطاق حى المعصرة بجنوب القاهرة، الذي يبلغ عدد سكانه كليا وفقا لآخر تحديث للسكان على موقع محافظة القاهرة في يناير 2024 حوالي 291 ألف نسمة.
تقول شيرين: "منطقتها لا تشهد أي انقطاع للكهرباء إلا بالكاد مرة شهريا بحد أقصى سواء في شهور الصيف أو شهور الشتاء، كون أن تقسيم عمارات مساكن شركة النصر للسيارات والذي يضم قرابة 25 بناية سكنية، يقع على بعد كيلو من معسكر للقوات المسلحة".
وعليه منطقة وادي حوف لا تشهد اى انقطاعات للكهرباء مهما كانت درجة الحرارة، بحسب شيرين: "وادي حوف مختلفة عن منطقة حدائق حلوان اللى النور بيقطع فيها بالساعتين والثلاث ساعات، أيضا منطقة المعصرة نفسها برده فيها تخفيف أحمال، لكن إحنا آخر مرة قطع في شهر أبريل اللى فات، وقعد تقريبا ساعة، غير كدا محصلش".
** قائمة الاستثناءات
يقول مهندس في شركة جنوب القاهرة لتوزيع الكهرباء، وقريبة الصلة من تنفيذ خطة تخفيف الأحمال، إن شركة الكهرباء والطاقة تضع خطة لتوزيع ساعات انقطاع الكهرباء على الأحياء، ولكن إحدى الجهات الأمنية ترسل إلى إدارت الأحياء قائمة بالمناطق المستثناة، والتي تتضمن أقسام الشرطة والمستشفيات ومنازل مسؤولين في الدولة حاليين وسابقين، وكل "إدارة حي" بدورها ترسل "قائمة الاستثناءات" إلى شركة توزيع الكهرباء.
مشيرا إلى أن قطع الكهرباء يجرى بشكل يدوي، وليس تحكمًا إليكترونيًا، وذلك عبر عدد من الموظفين في الشركة، ويقول إنه لا يستبعد زيادة تلك القائمة خلال طريقها إلى الشركة سواء عبر موظفين في الأحياء، أو عبر الموظفين المسؤولين عن قطع الكهرباء أنفسهم، بالمحسوبية أو رشاوى أو غيرها.
وفي الوقت الذي تضمن قائمة الاستثناءات منازل بعض المسؤولين الصغار أو ذو الحظوة، تخلو من المستشفيات الخاصة والعيادات الطبية، بحسب موظف آخر يعمل بمركز التحكم فى شبكات التوزيع فى شركة جنوب القاهرة لتوزيع الكهرباء، إذ يقول لـ"صحيح مصر" بشكل مقتضب، القائمة تضمن المنشأت الطبية، ولكن العيادات الصغيرة والمستوصفات الخاصة غير مُبلغ بها في خطة التوزيع المُرسلة من الأحياء لشبكات التوزيع، لذلك يتم معاملتها معاملة البنايات السكنية العادية.
ويقول إن تقسيم المناطق الحيوية في قائمة الاستثناءات تضمن أقسام الشرطة والمستشفيات الحكومية والخاصة، والنيابات والمحاكم، والوزارات، بجانب معسكرات تدريب الجيش، لاعتبارات أمنية.
** منزل عدلي منصور لا تنقطع عنه الكهرباء
كما تضمن القائمة بحسب المصدر، بيوت ومنازل الشخصيات "المهمة" بحسب تعبير الموظف، مشيرا إلى عدم قطع الكهرباء عن فيلا المستشار عدلي منصور، رئيس الجمهورية السابق على سبيل المثال لا الحصر: "في شخصيات مهمة في الدولة مبلغ بيها ضمن في خطة التوزيع من الأحياء والمجتمعات العمرانية، مبيقطعش عنها النور لاعتبارات أمنية أو طوارئ".
ولكن يستطرد: "غير أن مثلا منطقة زى مدينة المستقبل والشروق ومحيط العاصمة الإدارية له خط توزيع مستقل لا يعاني من كثافات في الضغط، وعليه فالمناطق دي استهلاكها ضعيف مقارنة بمناطق ذات تخمة سكانية، لذلك لا ينقطع عنها الكهرباء".
= أيضا يشرح المصدر أنه بعيد عن الاستثناءات، هناك حالات أخرى لبنايات بعينها لا تنقطع فيها الكهرباء، رغم أن الشوارع المحيطة ضمن خطة تخفيف الأحمال: "غالبًا الكبل اللي رايح ليها بيضخ الكهرباء لمستشفى قريبة منها، أو قسم شرطة".