مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

مستشفيات الفقراء في ذمة القطاع الخاص البرلمان يوافق على مشروع قانون إدارة القطاع الخاص للمستشفيات الحكومية

مستشفيات الفقراء في ذمة القطاع الخاص
البرلمان يوافق على مشروع قانون 
إدارة القطاع الخاص للمستشفيات الحكومية
Saheeh Masr

الكاتب

Saheeh Masr
nan

الإدعاء

-وافق مجلس النواب، أمس الاثنين، على مشروع قانون مُقدم من الحكومة، يجيز منح حق إدارة وتشغيل المستشفيات الحكومية، للمستثمرين المصريين أو الأجانب، بزعم تشجيع الاستثمار في القطاع الصحي. -وكان مجلس الوزراء قد وافق، في فبراير الماضي، على مشروع القانون، الذي ينص على ألا تقل مدة الالتزام على 3 أعوام، ولا تزيد على 15 عامًا، مع عودة جميع المنشآت الصحية بما فيها من التجهيزات والأجهزة الطبية اللازمة للتشغيل إلى الدولة في نهاية مدة الالتزام دون مقابل وبحالة جيدة. -وهو القانون الذي بات واقعًا، حتى قبل إقراره من قبل النواب. إذ طرحت الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة بالتزامن مع مناقشة القانون في مجلس النواب، فرصة إدارة ستة مستشفيات حكومية على المستثمرين، وهي: أبو تيج بأسيوط، حميات البحر الأحمر، كوم حمادة بالبحيرة، العجوزة التخصصي بالجيزة، هليوبوليس بالقاهرة، والقاهرة الجديدة. -في هذا التقرير، يرصد صحيح مصر تابعات هذا القانون على المواطنين، ومخاوف "الأطباء" من وجود مستشفيات الفقراء الحكومية في ذمة القطاع الخاص الهادف للربح، مما ينذر بارتفاع أسعار الخدمات الصحية المقدمة لمحدودي ومتوسطي الدخل.

دحض الإدعاء

مستشفيات الفقراء -تبلغ عدد المستشفيات في مصر، وفق أحدث إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، نحو 1809 مستشفى، منها 1145 مستشفى خاص، و664 مستشفى عام. -وبحسب أحدث بحوث الدخل والإنفاق والاستهلاك الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن العام 2019/ 2020، فإن الإنفاق على الخدمات والرعاية الصحية تأتي في المرتبة الثالثة في قائمة الإنفاق الرئيسية للمصريين، بنسبة 10.4٪ من إجمالي الإنفاق الكلي. -وتقول الحكومة إن الهدف من مشروع القانون هو تشجيع الاستثمار في قطاع الصحة، والذي سيصب في خدمة المواطنين في النهاية، إذ يسمح القانون بتوفير خدمة صحية أكثر كفاءة. -وقال مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الصحة والوقاية، عوض تاج الدين، خلال تصريحات إعلامية، أن أولويات الحكومة والدولة تركز على تقديم خدمات الرعاية الصحية الشاملة للمواطنين. -غير أن نقابة الأطباء ترفض القانون. ويقول مصدر مسؤول من داخل مجلس نقابة الأطباء لصحيح مصر، إن هذا القانون بمثابة خطوة تمهد للحكومة خصخصة المستشفيات الحكومية، ويثير العديد من المخاوف على مستقبل الخدمة الطبية التي تقدمها المستشفيات الحكومية للفقراء، ومصير الأطقم الطبية والفنيين والعاملين بها. -أول تلك المخاوف، التي يعبر عنها المصدر، هو عدم ضمان القانون لاستمرار تقديم المستشفيات الحكومية لخدمة صحية مخفضة للمواطنين الفقراء، بعد أن نقل إدارتها للقطاع الخاص. - وينوه المصدر إلى أن كل ما يهم المستثمر هو تحقيق الأرباح، ومن ثم ستكون أولى نتائج إدارة القطاع الخاص للمستشفيات العامة، هو رفع ثمن خدماتها الطبية على المواطنين، والذي يثقل كاهل عشرات ملايين المواطنين المعتمدين على تلك المستشفيات، ويحد من قدرة الفقراء على الحصول على خدمة صحية لائقة في المستقبل. -كما يشير المصدر إلى أن الحكومة تمضي قدمًا لتطبيق هذا القانون، في وقت يتراجع فيه المستوى الاجتماعي والمادي للكثير من أبناء الطبقة المتوسطة، في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في مصر بالسنوات الأخيرة، والتي زاد معها الطلب من أبناء تلك الطبقة على خدمات المستشفيات العامة، وزاد معها الحاجة لمزيد من الخدمات الطبية الرخيصة، وليس العكس. -ويعبر المصدر: "ناس كتير من اللي كانت بتعتمد على المستشفيات الخاصة، اتجهت مع الغلاء وانخفاض مستويات المعيشة في السنوات الأخيرة للمستشفيات العامة، ومن ثم كان واجبًا على الدولة أن تسعى تجاه إنشاء المزيد من المستشفيات العامة وتطويرها، وليس نقل إدارة القائم منها للقطاع الخاص، وتسليم رقبة المواطنين لشهوة المستثمر للربح قبل أي شيء". كيف ستتعاقد الحكومة مع المستثمر؟ -لم يحدد القانون آلية محددة للتعاقد مع المستثمرين على إدارة المستشفيات العامة، سواء عن طريق الاتفاق المباشر أو المناقصات العامة أو الحصول على نسبة من أرباح تلك المستشفيات تحت إدارة القطاع الخاص، تاركًا للحكومة ممثلة في رئيس الوزراء ووزير الصحة تحديد تلك الآلية. -ويصف ناشط مستقل في مجال الصحة، في حديثه لصحيح مصر هذا الأمر بـ"اللغز الكبير"، والذي دفعه وهو يملك مركزًا للدفاع عن الحق في الصحة للتقدم بمذكرة لمجلس النواب للتعرف على آلية التعاقد والجوانب المالية للقانون الجديد، فيما لم يتلق رد إلى اللحظة. -ويرجع الناشط في مجال الصحة، هذا الغموض إلى غياب رؤية حكومية تصب في مصلحة المواطن كما تدعي، بل تهدف إلى شيء واحد، وهو تخفيض الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة، ضمن مستهدفاتها لتقليل الأعباء الملقاة على عاتق الموازنة العامة للدولة، وذلك تطبيقًا لاشتراطات صندوق النقد الدولي، والذي يحث الحكومة على تقليل النفقات العامة. -فرغم زيادة ميزانية الصحة خلال سنوات حكم الرئيس السيسي، إلا أنها لم تصل بعد إلى النسبة الدستورية للإنفاق على الصحة، والمقررة في المادة 18 من الدستور المصري، بنسبة 3% من الناتج المحلي. -أقر الدستور المصري في المادة 18 بأن: "تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية". -الزيادة في ميزانية الصحة إلى 128 مليار جنيه في العام الماضي 2022/ 2023، لم يصل بنسبة الإنفاق سوى إلى 1.6% من الناتج المحلي البالغ 7.9 تريليون جنيه، ورغم زيادة ميزانية الصحة مرة أخرى إلى 148 مليار جنيه في العام 2023/ 2024، ولكن أيضًا لم تصل بنسبة الإنفاق على الصحة سوى إلى 1.5% فقط من الناتج المحلي البالغ 10.2 تريليون جنيه، أي نصف ما يفرضه النص الدستوري. التأمين الصحي تقول الحكومة -بسحب التصريحات والبيانات الرسمية- إن المشروع يدعم خطة الدولة للتأمين الصحي الشامل على جميع المواطنين. -ولكن مصدر في مجلس نقابة الأطباء يعبر عن ثاني المخاوف ويقول إن اعتبار الحكومة مشروع التأمين الصحي الشامل قادرًا على حماية المواطنين في حال ارتفعت خدمة تلك المستشفيات في ذمة المستثمر كلام غير دقيق، موضحًا أن ليس جميع المواطنين يحظون بتغطية تأمينية في ظل العمالة غير الرسمية التي تسيطر على سوق العمل، ولن يحصل الملايين من المصريين على تلك التغطية في القريب العاجل كما تدعي الحكومة. -لافتًا إلى أن التأمين الصحي الشامل، لا يزال غير مطبق في جميع محافظات الجمهورية، إذ أن "القاهرة على سبيل المثال سيصل إليها التأمين الصحي الشامل بعد حوالي 10 سنوات كاملة"، والذي يضع ملايين المواطنين تحت رحمة القطاع الخاص والخدمة الطبية مرتفعة الثمن دون أن يكون لديهم بديلًا لذلك. -كما أن القانون لا يضمن التزام المستثمر بالنسبة المحددة لعلاج مرضى التأمين الصحي والعلاج على نفقة الدولة، على عكس ما تدعي الحكومة من أنهما طوق نجاة للمواطنين في ظل ما تسميه الاستثمار في القطاع الخاص، وفق المصدر. -ويضيف الناشط في قطاع الصحة، أن تعاقد الحكومة مع المستثمر الذي سيتولى إدارة المستشفيات الحكومية، سيكون بـ"نظام الشراكة"، أي بتعاقد بين الحكومة والمستثمر، والذي يتوقع أن يرفع ثمن الخدمة، مقارنة بما كان منتظر في حال ظلت عامة. المستشفيات الحكومية في عهد السيسي -يأتي القانون إنفاذًا لرؤية الرئيس السيسي، والتي طرحها في أكتوبر 2023، إذ أعلن فكرة إسناد إدارة المستشفيات الحكومية إلى القطاع الخاص، خلال حديث له مع وزير الصحة خالد مجاهد. -وقال السيسي وقتها: "خالد (وزير الصحة) كان بيقول ممكن القطاع الخاص يعمل مستشفيات، إذا كنتم عايزين تضمنوا مسار ناجح، الدولة تخلص ثلاث أرباع المشوار، وتسيب الربع للقطاع الخاص، يعني أيه؟ يعني أنا أعمل المستشفى بالمواصفات اللي أنت عايزها اديهالك، وأنت تديرها كأنك أنت اللي عملتها". -كما أن قراءة رقمية أجرتها صحيح مصر، توثق زيادة عدد المستشفيات الخاصة في مواجهة المستشفيات الحكومية خلال عهد السيسي، إذ ارتفع أعداد المستشفيات الحكومية في عهد الرئيس السيسي بنسبة 1% فقط، في حين ارتفعت أعداد المستشفيات الخاصة بنسبة 22%. -وبحسب جهاز الإحصاء زاد عدد المستشفيات الحكومية من 657 مستشفى في العام 2013، وهو العام السابق على تولي السيسي الحكم في يونيو 2014، إلى 664 في العام 2021، أي زيادة بنحو 7 مستشفيات فقط. -في حين ارتفعت أعداد المستشفيات الخاصة من 937 في العام 2013، إلى 1145 في العام 2021، بزيادة بنحو 208 مستشفى. -كماانخفض أعداد الأسرَّة داخل المستشفيات الحكومية في عهد الرئيس السيسي بنسبة 15%، في حين ارتفعت بالمستشفيات الخاصة بنسبة 32.5%. إذ انخفضت من 98291 في العام 2013، إلى 83034 في العام 2021، بانخفاض نحو 15257 سريرًا. -في حين ارتفعت عدد الأسرة داخل المستشفيات الخاصة من 26009 بالعام 2013 إلى 34470 بالعام 2021، بارتفاع بنحو 8461 سريرًا. -كما توثق القراءة الرقمية ارتفاع عدد الأطباء البشريين في المستشفيات الحكومية في عهد الرئيس السيسي بنسبة 14.5% فقط، في حين ارتفعت داخل المستشفيات الخاصة بنسبة 95.7%. حقوق العاملين في المستشفيات -وثالث تلك المخاوف التي يعبر عنها المصدر، هو أن القانون لا يضمن حقوق الطواقم الطبية والفنيين العاملين في تلك المستشفيات بشكل كافٍ، إذ أنه فتح الباب أمام المستثمر للاستغناء عن 75% منهم متى أراد، على أن يعاد توظيفهم بمعرفة وزارة الصحة في أماكن أخرى، وهو ما يهدد استقرار ثلاث أرباع العاملين بتلك المنشآت. -إذ نصت المادة الثانية من القانون على "الالتزام باستمرار تشغيل نسبة لا تقل عن 25% من العاملين بالمنشأة الصحية، حال موافقتهم، مع مراعاة الحفاظ على حقوقهم المالية والوظيفية". -كما أجاز القانون لوزير الصحة، أن يمنح ترخيص مزاولة مهنة الطب للأطباء الأجانب، للعمل داخل المنشأة التي يستأجرها المستثمر، مما يفتح الباب أمام جلب المستثمر لأطباء من خريجي جامعات غير معترف بها من المجلس الأعلى للجامعات، والتي قررت نقابة الأطباء في جمعيتها العمومية عدم قيدهم بسجلاتها. ويقول إن تسليم المستشفيات الحكومية القائمة بالفعل إلى القطاع الخاص لن يؤدي إلى تطوير الخدمة الصحية كما تدّعي الحكومة، بل إلى معاناة ملايين المواطنين جراء الحصول على تلك الخدمة بأسعار تفوق قدرة عشرات الملايين منهم، وتهديد استقرار الأطباء والعاملين بتلك المستشفيات. -ويتابع أن المواطنين عانوا طويلًا بسبب هذا النهج، والذي استولت فيه المجموعات الاستثمارية الكبيرة على المستشفيات الحكومية الناجحة، معبرًا: "عشان مفيش مستثمر بيشتري حاجة فاشلة"، والذي تابعه رفع تلك المجموعات الاستثمارية لأسعار خدمات تلك المستشفيات بعد الاستيلاء عليها: "ضربوا أسعارها في اتنين وتلاتة". -وحذر المصدر من أن هذا القانون يزيد من تلك النماذج، ويضعف المستشفيات الحكومية أكثر وأكثر لصالح القطاع الخاص، إلى أن يلتهمها تمامًا في المستقبل ويصبح المواطنون الفقراء في كارثة حقيقية. -ويضيف المصدر: "زود ميزانية الصحة بما يتوافق مع الدستور، وارفع كفاءة الأطباء والفنيين والعاملين بالمستشفيات، وادخل أساليب إدارة رقمية حديثة". -ويتابع المصدر: "الأولى أن تعتبر الحكومة تطوير الصحة مشروعًا قوميًا، وتبحث له عن أموال وقروض إن لزم الأمر، لأنه في رأيي تطوير قطاع الصحة أهم من مشروعات قومية كتير اتعملت في البلد وتم الاحتفاء بها ولم يجني الناس من ورائها شيئًا".