مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

كيف تكرر الحكومة المصرية "الغلطة" 4 مرات عودة الأموال الساخنة

كيف تكرر الحكومة المصرية "الغلطة"  4 مرات
عودة الأموال الساخنة
Saheeh Masr

الكاتب

Saheeh Masr
nan

الإدعاء

في يوليو 2022، أكد محمد معيط، وزير المالية، أن الحكومة تعلم الدرس من تجارب الاعتماد على الأموال الساخنة. وقال في لقاء تلفزيوني "اتعلمنا الدرس دا من 3 مرات متتالية في 2018 و2020 و2022، واستراتيجية الدولة بقت إن هذا النوع من الأموال لا يتم الاعتماد عليه مرة أخرى على الإطلاق، ولن يؤخذ في الحسبان مرة ثانية، إحنا عايزين نعتمد على نفسنا في الإنتاج". [1] ◾ ودومًا ما كان خروج الأموال الساخنة من بين أسباب معاناة الاقتصاد المصري نظرًا لاستخدام الحكومة حصيلة تلك الأموال في تثبيت سعر صرف الجنيه أمام الدولار، أو في مشروعات بنية تحتية طويلة الأجل، عوائدها دائمًا بالجنيه. [2، 3] ◾ وبعد رفع البنك المركزي المصري لسعر الفائدة بنسبة 6% الأسبوع الماضي حتى بلغت 27.25% على الإيداع، و28.25% على الإقراض، وتخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار بنسبة 38.7% ليصل الدولار إلى سعر 49.5 جنيهًا؛ عاود الأجانب من مستثمري الأموال الساخنة الاستثمار في أدوات الدين المصرية بعد توصية مؤسسات مالية عالمية. [4] ⚠️ يرصد صحيح مصر في هذا التقرير، آلية عمل استثمارات الأموال الساخنة، وأسباب عودتهم مرة أخرى للسوق المصري، ومدى قدرة الحكومة على التعامل مع تلك النوعية من التدفقات النقدية، وتطور خروج ودخول الأموال الساخنة من وإلى مصر في 9 سنوات.

دحض الإدعاء

❓ ماهي الأموال الساخنة؟ ◾ الأموال الساخنة، هي تدفقات مالية تكون في الغالب قصيرة الأجل، وتستثمر في أدوات الدين التي تصدرها الحكومات والتي تتخذ أشكالاً مختلفة أبرزها "السندات والأذون" وأحيانًا أسهم الشركات المُدرجة في البورصة، وذلك في الدول التي ترتفع بها معدلات الفائدة وتنخفض عملتها مقابل الدولار. [5] ◾ وأذون الخزانة، هي إحدى أدوات الاستدانة الحكومية قصيرة الأجل إذ تتراوح مدتها بين 3 أشهر وأقل من عام، وتلجأ إليها الحكومة لتمويل عجز الموازنة. [6] ◾ أما سندات الخزانة، فهي أيضًا إحدى أدوات الاستدانة الحكومية لكنها طويلة الأجل إذ تمتد بين عام وحتى 20 عامًا، ويحصل المستثمرون بها على فائدة دورية كل 3 أو 6 أشهر، وتصدر بسعر موحّد وتكون الفائدة ثابتة عن كل سنة. 🔴 أسباب عودة الأموال الساخنة لمصر ◾ سعر الفائدة المرتفع الذي تدفعه الحكومة المصرية كان هو العامل الحاسم في عودة مستثمري الأموال الساخنة، خاصة بعدما رفعت مصر معدلات الفائدة 8% منذ أول العام الحالي، منهم 6% قبل أيام. ◾ وسعر الفائدة المرتفعة دفع بنك جي بي مورجان الأمريكي، لإصدار توصية لمستثمري الأموال الساخنة بالدخول للسوق المصري للاستفادة من معدلات الفائدة المرتفعة، فضلاً عن تخفيض قيمة الجنيه لنحو 50 جنيهًا أمام الدولار. [7] ◾ وبمعدلات الفائدة تلك، احتلت مصر المرتبة الثالثة عالميًا من بين 23 اقتصاد نامي، من تقديم أعلى فائدة على سنداتها بالعملة المحلية بمتوسط عائد يبلغ 30%، وفقًا لوكالة بلومبرج. [8] ◾ وبعد يوم واحد من تحريك البنك المركزي لسعر الجنيه ليصل إلى نحو 50 جنيهًا، أقبل المستثمرون الأجانب على أذون الخزانة المصرية، إذ بلغت مشتريات الأجانب في أذون الخزانة التي طرحها البنك المركزي الخميس الماضي نحو 825 مليون دولار وفقًا لما قاله أحد المصرفيين لـ "رويترز". [9] ◾ وباع البنك المركزي أذون خزانة لأجل عام بقيمة 87.8 مليار جنيه (1.78 مليار دولار) بمتوسط عائد 32.3%، بعد تلقيه عروضًا بثلاثة أضعاف هذا المبلغ، كما باع أذون خزانة لأجل ستة أشهر بقيمة 14.2 مليار جنيه. 🔴 تطور معدلات زيادة فوائد سندات وأذون الخزانة العامة ◾ خلال 9 سنوات من حكم الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، تطوّرت قيمة الفوائد على سندات البنك المركزي وأذون وسندات الخزانة العامة، إذ كان العام المالي الأول 2014/ 2015 من حكمه هو الأقل من حيث قيمة الفوائد، ثم ارتفعت قيمة كل منهم بنسب متفاوتة خلال السنوات الثمانية التالية. ◾ قيمة الفوائد على السندات التي يطرحها البنك المركزي، ارتفعت خلال تسع سنوات بنسبة 150%، وذلك من نحو 31.9 مليار جنيه عام 2014/ 2015 إلى حوالي 79.8 مليار جنيه بنهاية 2022/ 2023. [10، 11، 12] ◾ أما قيمة الفوائد على أذون الخزانة العامة فارتفعت بنسبة 309% تقريبًا خلال تسع سنوات منذ يوليو 2014 حتى يونيو 2023، حيث بلغت 52.5 مليار جنيه عام 2014/ 2015، لتصل إلى 215 مليار جنيه عام 2022/ 2023. ◾ وارتفعت قيمة الفوائد على سندات الخزانة العامة خلال تسع سنوات بنسبة 425%، حيث بلغت 65 مليار جنيه عام 2014/ 2015، مقابل 341.8 مليار جنيه العام المالي الماضي 2022/ 2023. ❓ كيف اعتمدت مصر على الأموال الساخنة في عهد السيسي؟ ◾ في العام الأول من حكم الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي 2014/ 2015 خرجت أموال ساخنة من مصر بقيمة 638.6 مليون دولار، ثم استمرت في الخروج العام التالي بحوالي 1.3 مليار دولار، بحسب بيانات ميزان المدفوعات الصادرة عن البنك المركزي. [13] ◾ وفي العام 2016/ 2017 مع تحريك البنك المركزي سعر صرف الجنيه في نوفمبر، بدأت الأموال الساخنة في التدفق للاستثمار في أدوات الدين المصرية، لتسجل نحو 16 مليار دولار، ثم زيادة أخرى في العامين التاليين إلى حوالي 12 مليار دولار و4.2 مليار دولار على التوالي. ◾ وفي العام المالي 2019/ 2020 خرجت استثمارات للأجانب في أدوات الدين المصرية بحوالي 7.3 مليار دولار بسبب جائحة كورونا وفقًا لما قاله محلل اقتصاد كلي لصحيح مصر، ثم دخلت الأموال الساخنة العام المالي التالي 2020/ 2021 بقيمة 18.7 مليار دولار بسبب ارتفاع الفائدة واستقرار الجنيه في ذلك الوقت، بحسب المحلل. ◾ وفي العام المالي 2021/ 2022 خرجت أموال ساخنة من مصر بنحو 20.9 مليار دولار، حيث عزا مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، تخارُجها في هذا التوقيت إلى رفع الفائدة من الفيدرالي الأمريكي وأزمة الحرب الروسية الأوكرانية، ثم استمر خروج الأموال الساخنة بنحو 3.76 مليار دولار العام المالي الماضي 2022/ 2023. ◾ وبحسب بيانات ميزان المدفوعات للربع الأول من العام المالي الجاري، خرجت أموال ساخنة من مصر من يوليو إلى سبتمبر 2023 بقيمة 523.4 مليون دولار، مقابل نحو 2.1 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2022. [14] ❓ هل تكرر الحكومة نفس الخطأ مُجدّدًا؟ ◾ توقع خبير اقتصادي تحدث إلى صحيح مصر، أن تكرر الحكومة نفس الخطأ من جديد بالاعتماد على الأموال الساخنة في ظل عدم وجود بدائل تُمكّنها من توفير سيولة دولارية كافية من خلال الإنتاج والتشغيل حتى الآن. ◾ وقال محلل اقتصاد كلي، إن صندوق النقد الدولي لن يسمح بتكرار اعتماد مصر على الأموال الساخنة مرة أخرى، إذ "من المؤكد وجود محادثات بين الطرفين حول إدارة تلك النوعية من التدفقات النقدية". ◾ ويضيف "استقبلت مصر تدفقات مالية قبل مارس 2022 دون أن تضع في الحسبان خروجها أي وقت زي ما حصل وقت تشديدات الفيدرالي الأمريكي في 2018 وكورونا والحرب الروسية.. مشكلة الأموال الساخنة بتيجي بسرعة وبتخرج بسرعة، والدليل عودتها تاني يوم التعويم". ◾ ويؤكد على أن قرار البنك المركزي برفع سعر الفائدة 6% مرة واحدة بعد تحريك سعر الجنيه الأسبوع الماضي، ما هو إلا مُغازلة من "المركزي" لمستثمري الأموال الساخنة للعودة إلى الاستثمار في أدوات الدين من جديد. ◾ ويوضح أن البنك المركزي ينظر إلى الأموال الساخنة على أنها وسيلة سريعة لتوفير السيولة الدولارية التي تمكنه من السيطرة على سعر صرف الجنيه وبالتالي خفض معدلات التضخم. ❓ كيف تتجنب الحكومة الاعتماد على الأموال الساخنة؟ ◾ يرى الخبير الاقتصادي أنه يجب تقليل النفقات على المشروعات غير الضرورية لأن الأموال الساخنة ستعطي انطباعًا "غير حقيقي" عن وجود وفرة من الدولارات من الممكن أن تتخارج عند أي عقبة تواجه الاقتصاد المحلي. ◾ ويؤكد اثنين من محللي الاقتصاد الكلي، ضرورة التركيز على زيادة التدفقات الدولارية من المصادر الأساسية للعملة الصعبة مثل السياحة والصادرات والاستثمارات الأجنبية المباشرة "لوجود ما يمكن الاستناد عليه عند خروج الأموال الساخنة". ◾ وقال أحد المحللين إن الأموال الساخنة سلاح ذو حدين، إذ يمكن الاعتماد عليها بشكل مؤقت فقط لحين بناء احتياطي قوي من النقد الأجنبي "وليس الاعتماد عليها بكوْنها من الاحتياطي الأساسي لمصر".