مجتمع التحقق العربيهو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها
nan
أصدرت وزارة الداخلية بيانًا ينفي تصريحًا نقل على لسان الناطق الرسمي العميد مقداد ميري، يتعلق بقضية المهندس بشير خالد، جاء فيه أنّ "منتسبي وزارة الداخلية ليسوا ملائكة ومن الممكن أن تحدث حالات تعذيب"، وأكّدت أنّه "تم استقطاع جملة من حديث طويل يتكلم فيه الناطق الرسمي عن حقوق الإنسان خلال إحدى اللقاءات الحوارية"، وتوعدت بمقاضاة متداولي التصريح.[*]
الحقائق
بيان وزارة الداخلية مضلل، إذ أنّ التصريح صدر بالفعل على لسان الناطق باسم الوزارة العميد مقداد ميري خلال حديث لبرنامج "واجب الصراحة" على قناة العراقية الرسمية، وأقر فيه المتحدث أنّ "حالات التعذيب يمكن أن تحدث" بشكل واضح ومباشر، أي أنّ التصريح لم يحرف ولم ينقل بشكل مضلل.
ويظهر بالبحث، أنّ التصريح صدر خلال حوار للعميد ميري مع مقدم برنامج "واجب الصراحة" الذي يعرض على قناة العراقية الأخبارية، لمدة نحو 10 دقائق، في الحلقة التي بثت يوم الأحد الماضي 6 نيسان أبريل، وتناولت قضية تعرض المهندس بشير خالد إلى اعتداء داخل أحد سجون وزارة الداخلية في بغداد، والذي فارق الحياة في اليوم التالي للقاء.
وخلال الحوار، تحدث الناطق باسم وزارة الداخلية عن تفاصيل اعتقال المهندس بعد شجار مع ضابط كبير في الوزارة وابنه، انتهت بتوقيفه ومن ثم "الاعتداء عليه داخل السجن من قبل الموقوفين" على حد قوله، ونقله إلى المستشفى حيث فارق الحياة هناك.
العميد ميري رد أيضًا خلال الحوار، على التهم الموجهة إلى وزارة الداخلية في القضية، ومن بينها أنّ المهندس تعرض للتعذيب بشكل متعمد "وفق توصية من اللواء عباس"، الطرف الثاني في المشاجرة، إذ قال نصًا: "أنا ما أكلك أحنه عايشين في المدينة الفاضلة ومنتسبينا ملائكة، ممكن تحصل حالات التعذيب وصدقني وثق بالله لو أكو حالة تعذيب نسوقه إلى القضاء بكل شفافية ما عدنا مشكلة، شنو مصلحة وزارة الداخلية تخفي الناس اللي يعذبون".
وأضاف ميري، "نحن في عام واحد العام الماضي (اسمحلي حتى ما أنسى الجمل)، بس العام الماضي 4 آلاف و60 ضابط ومنتسب طردنا، يعني إذا اكو واحد معذب شنو المشكلة، نشيلة نودي للتوقيف مهما كانت رتبته ونحيله للقضاء ونطبق الإجراءات القانونية بحقه".[1]
وبعد ساعات من اللقاء، وفي اليوم التالي، فارق المهندس بشير خالد الحياة بعد ثلاثة أيام من "الموت السريري" جرّاء ما طاله من اعتداء داخل أحد سجن التسفيرات المركزي في بغداد.[2]
وبينما تقول وزارة الداخلية العراقية إن الوفاة ناجمة عن الضرب المفرط الذي تعرّض له في السجن، يؤكد النائب حسين عرب وجهات برلمانية وحقوقية أنّ التعذيب وقع على يد عناصر الشرطة وضباطها، وكان السبب الرئيس لوفاته. وقال عرب، إن "المهندس بشير اقتيد إلى سجن التسفيرات (المركزي)، وسُلم إلى ضابط برتبة عميد أدخله إلى السجن وأبلغ المجرمين الموجودين هناك بضربه وقتله عمدًا".[3]
وسبق لوزارة الداخلية أن أعلنت نتائج لجنة التحقيق التي شكّلها الوزير حول حادث المهندس بشير خالد؛ إذ قالت إنّ المهندس بشير كان في "حالة هستيرية"، وتعرض إلى "اعتداء من قِبل الموقوفين داخل سجن الجعيفر بعد يومَيْن من تاريخ إيداعه، طبقًا لما هو مثبت بالكاميرات"، ثم عرضت مقطعًا مصورًا قالت إنّه يكشف عن الاعتداء الذي وقع داخل السجن.[4]
وبعد إعلان وفاة المهندس بشير، وجه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بتشكيل لجنة تحقيقية عليا للتحقيق.وقال الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة صباح النعمان في بيان، إن "رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني، وجه بتشكيل لجنة تحقيقية عليا برئاسة وكيل وزارة الداخلية لشؤون الشرطة ووكيل جهاز الأمن الوطني وضابط برتبة عليا من جهاز المخابرات الوطني العراقي للتحقيق في جميع ملابسات القضية، وتقديم تقرير مفصل عمّا حدث منذ بداية وقوع الحادث لحين وفاة المواطن بشير، وسيتم إعلان نتائج التحقيق بالحادث أمام الرأي العام حال اكتماله".[5]
وتتفاعل حادثة المهندس بشير خالد منذ أسبوع، حيث أعادت إلى الأذهان الكثير من الحوادث المماثلة السابقة، وفتحت الباب أمام الكثير من الشهادات عن طرق التعذيب بحق الموقوفين والمتهمين في مراكز الشرطة وغرف التحقيق الرسمية، وسط دعوات إلى فتح تحقيق عاجل ومستقل ومحاسبة جميع المتورطين.[6]
ماذا نعرف عن المهندس الراحل؟
"صحيح العراق" كان تواصل مع عدد من أطراف مقربة لجمع معلومات حول هوية وحياة المهندس بشير خالد وأسباب الحادثة، وتوصل إلى أنّ المهندس الراحل تخرج من مدارس المتميزين في بغداد بتفوق، ثم التحق بكلية الهندسة المدنية، وتخرج قبل 6 سنوات فقط، وعمل في مهن حرة، وكان يخطط لدراسة الماجستير والدكتوراه.
ولا يعرف المقربون من عائلة المهندس، مقدمات الخلاف مع مسؤول الرواتب في قيادة الشرطة الاتحادية "اللواء عباس"، لكن أحد أصدقائه قال إنّ بشير ذهب إلى منزل اللواء بعد تحديد موعد بينهما، لكنه منع من الدخول إلى مجمع السكني حيث يسكن اللواء (مجمع الأيادي عند تقاطع بسكولاته)".
المهندس استطاع لاحقًا الدخول إلى المجمع ووصل إلى شقة اللواء، وهناك اندلعت مشاجرة "تعرض خلالها للضرب على يد الضابط واثنين من أبنائه"، بحسب رواية الشاهد، الذي أوضح لـ "صحيح العراق"، أنّ اللواء استعان بقوة من الشرطة لـ "اعتقال المهندس ونقله إلى مركز شرطة حطين"، ثم نقل لاحقًا لـ "أسباب غامضة إلى سجن التسفيرات، وتعرض هناك إلى التعذيب الشديد على مدار يومين، قبل أن ينقل وهو في حالة موت سريري إلى المستشفى، ثم يفارق الحياة بعد نحو 10 أيام من الحادثة".