مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

هل اعتراضات دينية - طائفية تؤثر على مباراة العراق والكويت؟

هل اعتراضات دينية - طائفية تؤثر على مباراة العراق والكويت؟
SaheehNewsIraq

الكاتب

SaheehNewsIraq
nan لم يخفت الجدل الذي أثارته اعتراضات دينية - طائفية على موعد مباراة العراق والكويت في إطار التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، وتحول الترند إلى خطاب كراهية تركز ضد المجتمع المدني في البصرة، في حين حرصت السلطة المتمثلة بالمحافظ أسعد على استثمار المواقف المناهضة للخطاب الديني المتشدد عبر السماح بتمرير أخبار كاذبة. وفي هذا التقرير يوضح "صحيح العراق" كيف تحولت دعوات رجل الدين علي الطالقاني عن مباراة العراق والكويت، من اللهجة الطائفية إلى التحريض على "العلمانيين"، وكيف استغل الانقسام الذي أثارته هذه الدعوات من قبل أطراف سياسية من بينها العيداني: حملة تأجيل المباراة قبل مباراة المنتخب الوطني العراقي ونظيره الكويتي، بنحو يومين، أطلق رجال دين في البصرة، دعوات لتأجيل المباراة لتزامنها مع ذكرى وفاة الإمام علي بن أبي طالب، وكان من أبرزهم الخطيب المعروف أحمد الصافي، والخطيب علي الطالقاني. الطالقاني دعا خلال أحد المجالس الدينية في قضاء أبي الخصيب في البصرة، في 18 آذار مارس، الاتحاد العراقي لكرة القدم إلى تأجيل مباراة العراق والكويت، ضمن تصفيات كأس العالم، لتزامنها مع "ليلة جرح الإمام علي، وهي من الليالي المقدسة لدى المؤمنين"، واعترض بشدة على إقامة المباراة بالتزامن مع المناسبة باعتبار البصرة مدينة ذات "هوية إسلامية إيمانية موالية لأمير المؤمنين"، واعتبر إقامة المباراة تعبيرًا عن "عدم احترام المناسبة".[1] الخطيب أحمد الصافي تبنى ذات الدعوة أيضًا، وتحدثت عن تأثير إقامة المباراة في هذا التوقيت "على الأجواء الروحانية المرتبطة بالمناسبة"، بوصف المباراة "احتفالًا"، مطالبًا الجهات المعنية، بما في ذلك المؤسسة الدينية وشيوخ العشائر والمسؤولين المحليين، بالتدخل والسعي لتأجيل المباراة لمدة يومين أو ثلاثة، "احترامًا لقدسية المناسبة".[2] العيداني يرد بالمقابل، رد محافظ البصرة أسعد العيداني على هذه الدعوات بالإشارة إلى عدم إمكانية تأجيل المباراة، مع التأكيد على أنّ إقامتها لا تقدح بأجواء المناسبة الدينية. قال العيداني في تسجيل صوتي[3]، إنّ "الكثير من المشايخ يتصورون أن المجتمع البصري غير واعٍ، علمًا أن أبناء البصرة في أسوأ الظروف حتى في عهد النظام السابق كانوا يُظهرون الحزن ويقيمون مواكب العزاء في ليلة استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب". وأضاف العيداني، "موعد المباراة مقرر مسبقًا من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، ولا يمكن تعديله أو تأجيله"، داعيًا الجهات المطالبة بالتأجيل إلى أن "تكون واعية وأن لا تصنّف المجتمع بين محبٍ وكارهٍ لأمير المؤمنين، وألّا تبثّ التفرقة والفتنة بين الناس". مجلس على الكورنيش ومع الرفض الرسمي والانتقادات التي تلقاها رجال الدين إثر دعوات التأجيل، بدأ الطالقاني التحشيد لإقامة مجلس عزاء بالتزامن مع المباراة على كورنيش شط العرب، أي في المكان الذي يشهد تجمع الجماهير الرياضية أثناء إقامة المباريات في البصرة، في محاولة لمنع أي احتفالات، كما دعا إلى الجماهير في الملعب إلى رفع شعار "تهدمت والله أركان الهدى"، وهو ما لم يلق استجابة، إذ جرت المباراة دون أي هتافات دينية.[4] "البصرة شيعية" بالتزامن، كان الطالقاني يلقي محاضرة دينية على الكورنيش، بحضور عدد من مواكب العزاء، تركزت ضد "المنظمات الليبرالية والمدنية في البصرة"، والتي اتهمها بمحاولة "سلخ الهوية العقائدية والإسلامية من المدينة عبر أجندات"، في تحول من الخطاب الطائفي إلى خطاب كراهية ضد المجتمع المدني في البصرة، على الرغم من أنّ هذه المنظمات لا علاقة لها على الإطلاق بجدول المباريات أو المناسبات الرياضية.[5] شيخ تميم على الخط خطاب الطالقاني هذا أثار ردود فعل غاضبة لم تقتصر على أوساط الناشطين والمدونين، إذ انتقد النائب السابق وشيخ قبائل تميم مزاحم الكنعان، المعروف بقربه من المحافظ، خطاب رجل الدين علي الطالقاني، الذي هاجم فيه المجتمع المدني، وأبدى استغرابه "لمثل هكذا خطابات"، كما انتقد رجالات البصرة من مثقفين وكتاب وشعراء ورجال دين وسياسيين وفنانين، "لسكوتهم واختفائهم في الصفوف الخلفية".[6] العيداني يستغل الترند! ومع تصاعد الاعتراضات البصرية ضد الخطاب الديني المتشدد، تناقلت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، معلومات عن رفع دعوى ضد الطالقاني من قبل محافظ البصرة أسعد العيداني، بـ "تهمة إثارة النعرات الطائفية والانقسام في المحافظة، التي تتنوع هويتها الدينية بوجود مختلف الطوائف والشرائح".[7] وأثارت هذه الأخبار تفاعلاً إيجابيًا كبيرًا في الأوساط المدنية في البصرة وكذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن "صحيح العراق" علم من مسؤول في مكتب المحافظ، أنّها غير صحيحة على الإطلاق، وأنّ "العيداني لم يتخذ أي خطوة بحق الطالقاني، أو أي شخصية دينية كان لها موقف معارض لإجراء المباراة"، إذ قال المسؤول خلال اتصال هاتفي خاص، إنّ المحافظ لا يريد "تضخيم الموضوع". وعلى الرغم من ذلك، لم يصدر مكتب المحافظ نفيًا رسميًا للمعلومات "بل استغلها لكسب التيارات المدنية في البصرة"، على حد تعبير ناشط معارض تحدث لـ "صحيح العراق" أيضًا. استثمار سياسي الاستغلال السياسي لم يقتصر على العيداني، إذ حاولت أطراف أخرى على خلاف مع المحافظ، تحقيق مكاسب من خلال تأييد الخطاب الديني - الطائفي عن هوية البصرة، ومن بينهم النائب عدنان الجابري الذي كان يعرف بخطاب قريب من المجتمع المدني.[8]. قال الجابري دفاعًا عن الطالقاني: "رجالٌ يمارسون الرذيلة كل يوم وهم أبعد ما يكون عن العقائد والدين وقراءة التاريخ يتجاوزون على رجالات دين متنورين أهل ثوابت وقيم ويصفونهم بالجهل وعدم المعرفة في تجاوز سافر وسابقة خطيرة تستهدف خطباء المنبر الحسيني الأكارم الذين هم الأقرب للمجتمع وهم في الغالب طلبة في الحوزة العلمية الشريفة والكثير منهم وكلاء ومعتمدين للمرجعيات الدينية العظيمة".[9] وجاء مواقف النائب الجابري، في سياق خلاف محتدم مع المحافظ أسعد العيداني، إذ سبق أنّ رفع دعوى قضائية ضده قبل نحو 5 أشهر، ووجد في "الترند" فرصة لمهاجمة المحافظ والمقربين منه.[10] النائب السابقة رحاب العبودة لم تفوت الفرصة أيضًا، حيث تعتبر العبودة من أبرز المعارضين للعيداني، حتى قبل مقتل الأستاذة الجامعية من عشيرتها على يد صهر المحافظ الذي يرجع إلى قبيلة تميم. واستنكرت العبودة، والتي لم يعرف عنها سابقًا مساندة الخطاب الديني المتشدد، التصريحات المعترضة على دخول المعممين إلى البصرة، وتحدثت عن "ظواهر أخرى تسيء إلى قدسية المجتمع وقيمه"، في إشارة إلى النائب السابق مزاحم الكنعان التميمي.[11] العيداني يقيم وليمة للشيوخ وفي محاولة للرد على الهجوم دون تقديم أي خسائر، حشد المحافظ أسعد العيداني شيوخ العشائر، وجمعهم حول مأدبة إفطار، تحت عنوان "التلاحم والاستقرار". وقال العيداني، إنّ هذه الجلسة الرمضانية "تعكس الروابط القوية التي تجمع العشائر والحكومة المحلية في سبيل خدمة المحافظة وأهلها"، فيما أكد شيوخ ووجهاء على ضرورة أن يكون "القرار بصريًا"، ورفض أي تدخل من خارجها، في إشارة إلى ما صدر من تصريحات حول مباراة العراق والكويت، والتي انتهت بتعادل الفريقين.[12] شيطنة المدنية الطالقاني بدوره حاول أيضًا كسر موجة الانتقادات التي واجهها إثر الخطاب الديني - الطائفي عن المباراة، عبر إثارة اتهامات لمنظمات المجتمع المدني، والتحريض ضد من وصفهم بـ "العلمانيين والليبراليين" باعتبارهم يمثلون خطرًا على "الهوية العقائدية الشيعية" بشكل عام، وهو ما يظهر بشكل واضح بتحليل منشوراته عبر صفحته في فيسبوك والتي يتابعها أكثر من 2.5 مليون.[13] ويلخص كلّ هذا كيف حاولت أطراف دينية وسياسية استغلال الشغف الرياضي والاهتمام الكبير الذي تحظى به مسيرة المنتخب العراقي ضمن التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم، وفق أجنداتها، ثم حولت الجدل إلى حملة كراهية ضد الأوساط المدنية التي لم تكن معنية على الإطلاق بتحديد موعد المباراة.