مجتمع التحقق العربيهو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها
nan
انعكست الأحداث الدامية التي شهدها الساحل السوري خلال الأيام القليلة الماضية، على العراق بقوة، وأعادت مشاهد القتل إلى الذاكرة مآسي سنوات العنف الطائفي، كما عاد معها خطاب الشحن والتحريض المتبادل عبر منصات التواصل الاجتماعي، والذي تصاعد إلى حد مطالبات بطرد السوريين المقيمين في العراق بتهمة "الترويج للإرهاب".
"صحيح العراق" رصد حملة منظمة لبث الكراهية ضد السوريين، عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي، ويوضح في هذا التقرير الموجز كيف بدأت هذه الحملة نتيجة خطاب بعض السياسيين، ثم تبنتها منصات على صلة بالفصائل المسلحة، وساهم فيها العشرات لدوافع طائفية.
ما نعرفه عن أحداث سوريا:[1]
منذ ليلة الخميس 6 مارس آذار، شهدت سوريا أحداثًا متسارعة، إذ تقول قوات الأمن التابعة للجيش السوري الجديد إنّها تعرضت لهجمات وكمائن متفرقة ممن اسمتهم "فلول النظام السابق"، في حين نشر مدنيون وناشطون علويين ودروز مشاهد لعمليات قتل وتنكيل قالوا إنّها جزء من حملة انتقام نفذتها قوات الأمن السوري وطالت مدنيين.
هذه الأحداث بدأت في قرية بيت عانا بريف جبلة في محافظة اللاذقية، عندما أطلق مسلحون مجهولون النار على دورية عسكرية تابعة للأمن الداخلي.
وتكتسب هذه القرية أهمية خاصة، إذ تعتبر مسقط رأس اللواء سهيل الحسن، قائد الفرقة 25 سابقاً، الذي كان من أبرز قادة الجيش السوري في عهد الرئيس السابق بشار الأسد.
وردت قوات الأمن على الهجوم على دوريتها بإرسال تعزيزات، شملت صواريخ رشاشة وطائرة مروحية، لمحاولة السيطرة على الوضع، إلا أن الأمور تصاعدت بسرعة، بعد أن شنت مجموعات مسلحة هجمات منسقة على عشرات المواقع في منطقة الساحل، مستهدفة مناطق في ريف اللاذقية وريف طرطوس وقرى جبلة.
بالتزامن مع الهجمات، خرج متظاهرون من الطائفة العلوية في طرطوس وجبلة وريف اللاذقية، دعمًا للتحركات العسكرية المناهضة للحكومة الجديدة، ورفضًا لحكم أحمد الشرع في سوريا، بحسب ما هتف المتظاهرون. وفي المقابل، شهدت المناطق الموالية للجيش السوري الجديد حالة من الغليان الشعبي، حيث تعالت الدعوات لحمل السلاح ومساندة القوات الأمنية والعسكرية في حربها ضد المهاجمين.
ومع تصاعد العنف في المنطقة، ازدادت المخاوف من انزلاق الأحداث إلى صراع طائفي واسع، خصوصا مع ظهور مؤشرات على عمليات انتقام لدوافع طائفية.
إعدامات بحق علويين مدنيين
بحلول أمس السبت، بلغت الأحداث ذروتها، إذ أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن قوات الأمن السورية "أعدمت" 830 مدنيًا من الطائفة العلوية، وتحدث عن تهجير عشرات الآلاف منهم وإحراق منازلهم، في معقل هذه الطائفة التي ينتمي إليها الرئيس السابق بشار الأسد، وذلك خلال عملية تمشيط واسعة النطاق في غرب البلاد.[2]
وأكّد المرصد توثيق مجازر عدة في مناطق متفرقة من مدن الساحل السوري، كما أشار إلى استمرار الحملة العسكرية التي تنفذها قوات الشرع في هذه المناطق والمدن، مبينًا أنّ مناطق في ريفي اللاذقية وطرطوس تعرضت لقصف مكثف بالدبابات والطائرات المسيّرة، تركز على عدة مناطق، هي: طريق بانياس القدموس، الحطانية، تعنيتا، بارمايا، الرويمية، المزيرعة، الرميلة، مزار القطرية والقويقة بريف اللاذقية، مما دفع الأهالي إلى إطلاق نداءات استغاثة في محاولة للنجاة من القصف العشوائي.[3]
العراق على خط الأزمة
وتابع العراقيون الأحداث السورية باهتمام بالغ بالنظر، وأعادت إلى أذهانهم مشاهد العنف والقتل خلال سنوات الاحتراب الطائفي، ثم انعكست على شكل منشورات غاضبة ولاحقًا حملة شحن طائفي وبث كراهية، ساهم في إشعالها بعض السياسيين من خلال بعض التصريحات.
أولى هذه التصريحات صدرت عن رئيس تحالف سيادة خميس الخنجر، الذي أعلن وقوفه إلى جانب الشرع وحكومته المؤقتة، ضد ما أسماهم "فلول النظام السابق"، مستنكرًا في تغريدة له ما وصفه بـ "ترويع المدنيين وتهديد السلم الأهلي من قبل هؤلاء الفلول".[4]
تغريدة الخنجر أثارت ردودًا غاضبة خاصة مع انتشار مشاهد عن عمليات قتل يعتقد أنّ أفراد من قوات النظام السوري الجديد ارتكبتها، ما أجبره على إصدار بيان جديد "يدين جميع أشكال العنف والانتهاكات"، في محاولة لتخفيف حدة الانتقادات التي تلقاها بعد بيانه الأول.[5]
تراجع الخنجر جاء بعد فوات الأوان، إذ كان عدد غير قليل من السياسيين الشيعة قد انخرطوا في ردود أفعال غاضبة، ومنهم النائب رائد المالكي الذي ذكر الخنجر بمواقفه السابقة واتهمه بدعم الإرهاب.[6]
كما دان رئيس كتلة حقوق النائب سعود الساعدي، موقف خميس الخنجر، وقال إنّ موقفه من أحداث سوريا فيه "يشكل محاولة مكشوفة لاستعادة دور سابق يطمح إليه من خلال التحريض على الأوضاع السياسية الحالية في البلاد والتشجيع على الانقسامات والكراهية وزرع بذور الفتنة والطائفية بين ابناء البلد الواحد"، واتهمه بـ "الارتباط في مشروع تآمري يبدأ من سوريا ويصل للعراق".[7]
بدورها، طالبت النائبة عن حركة عصائب أهل الحق زهرة البجاري، الحكومة العراقية بمحاسبة الخنجر، واتهمته بمساندة العصابات الطائفية. وفي بيان آخر طالبت البجاري الحكومة العراقية وهيئة الإعلام والاتصالات بإغلاق "جميع القنوات العراقية وغيرها التي تروج وتدعم المدعو الجولاني وعصاباته الإجرامية، لما تشكله من تهديد مباشر للأمن القومي العراقي".[8]
خطاب كراهية
هذه السجالات والاتهامات ساهمت في إشعال حملة كراهية متبادلة عبر صفحات ومنصات التواصل الاجتماعي، تطورت لاحقًا إلى دعوات لطرد السوريين وتوصيات للإبلاغ عن مواقع تواجد السوريين في المناطق والمدن العراقية، بالتزامن مع إعلان اعتقال شخصين سوريين بالفعل بتهم مرتبطة بـ "الترويج للإرهاب".
اعتقال سوريين
أحد المعتقلين هو شخص نشر عبر خاصية الستوري في إنستغرام عبر حساب يحمل اسم "Alaa Al Awad"، صورة من أمام مرقد الإمام الحسين في كربلاء، تظهر صورة منشد الثورة السورية "قاسم جاموس"، الذي توفي قبل أيام.
وجاء نشر الصورة تأييدًا للهتافات الطائفية التي كان يرددها جاموس ويتوعد فيها الشيعة بملاحقتهم إلى كربلاء، حيث نشر صاحب الحساب صورة المنشد من أمام مرقد الإمام الحسين، ثم اتضح لاحقًا أنّ الصورة مفبركة، أي أنّ صاحب الحساب لم يلتقطها في كربلاء.[9]
وما هي إلا ساعات حتى تمكنت قوات الشرطة الاتحادية من الوصول إلى صاحب الحساب، وتبين أنّه شاب سوري يعمل في أحد مطاعم بغداد، واعتقلته وفقًا لصور متداولة.[10]
وبعد ساعات أعلنت وزارة الداخلية عن إلقاء القبض على شخص (سوري الجنسية) آخر، بتهمة "الترويج للتنظيمات الإرهابية على مواقع التواصل الاجتماعي"، وذلك بعد نشره تدوينات تساند عمليات قوات الشرع في الساحل السوري.[11]
كلّ هذه التطورات تحولت إلى حملة إلكترونية لمطاردة السوريين المقيمين في العراق، تبنتها منصات على صلة بالفصائل المسلحة.
ورصد "صحيح العراق"، دعوات صدرت عبر هذه المنصات التي تعود بعضها إلى جماعات قاتلت في سوريا لدعم نظام الأسد سابقًا، تروج خطاب كراهية ضد السوريين، وتدعو إلى "الإبلاغ عن أي سوري في منطقته"، كما دعت إلى طردهم من البلاد.[12]
كما انتشرت خلال ساعات قليلة مئات المنشورات التحريضية عبر حسابات وهمية، ولاقت رواجًا بمشاركات وتفاعلات ضخمة بين مستخدمي موقع إكس (تويتر سابقًا)، باستخدام صور ومقاطع مصورة نسبت إلى الأحداث في الساحل السوري، وبعضها مضللة.[13]
في فيسبوك كانت الحملة أشد وأكثر وضوحًا، إذ ساهم أشخاص بعض يعرفون أنفسهم بوصفهم "ناشطين مدنيين" ترويج خطاب الكراهية، ونشر دعوات لـ "الإبلاغ عن أي سوري تعرفه"، وحرض آخرون على "طرد جميع السوريين من العراق".[14]