مجتمع التحقق العربيهو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها
nan
على مر التاريخ، دفع أتباع الديانة الإيزيدية ثمنًا باهظًا للشائعات والفهم الخاطئ لمعتقداتهم الدينية، إذ سادت في الأوساط الاجتماعية مفاهيم خاطئة عنهم عرضتهم إلى أعمال عنف وتنكيل، من بينها ربط معتقداتهم بـ "عبادة الشيطان"، ونسبتهم إلى يزيد بن معاوية.
وعلى الرغم من محاولات تصحيح هذه المفاهيم، خاصة بعد ما طالهم من محاولات إبادة جماعية، إلاّ أنّ صفحات على منصات التواصل الاجتماعي ما تزال تمارس التضليل ضد الإيزيديين، حيث نشرت صفحة "صور من التاريخ" على منصة "إكس" سلسلة تغريدات بعنوان "الإيزيديون يقدسون إبليس ويحملون حقدًا وكرهاً للإسلام وهم أقلية!!"[*]، وتحت هذا العنوان سردت قائمة طويلة من المعلومات المغلوطة عن الديانة، يفندها "صحيح العراق" في هذا التقرير:
نشأة الإيزيديين وعلاقتهم بـ "يزيد بن معاوية"
ادعت الصفحة، أن "الإيزيدية فرقة منحرفة نشأت سنة 132للهجرة، إثر انهيار الدولة الأموية، وكانت في بدايتها حركة سياسية لإعادة مجد بني أمية، فمازال بهم الجهل وتطور البدع والضلال حتى خرج بهم عن دين الإسلام"، وقالت إنها بدأت "كحركة سياسية مناهضة للشيعة الذين كانوا يلعنون يزيد بن معاوية بعد معركة كربلاء، ثم أخذوا يقدسون إبليس الملعون في القرآن".
وهو ادعاء مضلل، إذ أنّ تسمية الإيزيديين لا علاقة لها بالخليفة الأموي يزيد بن معاوية، أو حتى بمدينة يزد في فارس، بل هي مشتقة من الكلمة الفارسية "إيزيد" والتي تعني الملاك أو الإله.[1]
واسم الإيزيديين ببساطة يعني "عبدة الرب"، وهو ما يعمد الإيزيديون من خلاله إلى وصف أنفسهم. أما الاسم الذي يطلقونه على أنفسهم فهو "الدواسين"، وهو اشتقاق من اسم "ديوسيس" - أو أبرشية - المأخوذ من المعتقد النسطوري الكنسي القديم في الشرق، حيث استنبط الكثير من معتقداتهم من الديانة المسيحية، كما أنهم يوقرون القرآن والإنجيل معا، بيد أن جزءا كبيرا من تراثهم يعتبر شفهيًا.
ويرجع تاريخ الديانة الإيزيدية إلى الألف الثالث قبل الميلاد، و"هم بقايا أقدم ديانة كردية في منطقة الحضارات العظمى في الشرق"، بحسب أحد أتباع الديانة، الذي أشار إلى أنّ "أتباع هذه الديانة تحملوا الكثير من سوء الظن نتيجة خطأ التسمية، لكن النصوص الدينية التي بحوزتهم والتي توارثوها عن أسلافهم تؤكد عدم العلاقة بين يزيد بن معاوية والطائفة وأتباعها".
هل يقدس الإيزيديون الشيطان؟
وفيما إذا كان الإيزيديون يعبدون الشيطان أو الشمس، يقول الباحث والمؤرخ الإيزيدي خليل جندي[2]، إنّ "هذه إشكالية كبيرة وغير صحيحة مطلقًا، واتهام مجحف وقاس"، مشيرًا إلى أنّ "فكرة العصيان للخالق غير موجودة عند الإيزيدية، فكيف يكون هناك إله للشرّ إسمه الشيطان؟".
ويعتبر "طاووس ملك"، حسب الديانة الإيزيدية، اسمًا من بين الـ 3003 أسماء لله، وهو أحد سيماء الألوهية، ويأخذ "طاووس ملك" مرة دور إله السماء "بابا دياوس" عند الإيرانيين القدامى، و"آنو" عند السومريين، و"فارونا" عند الهندوس، وقرص الشمس هو عيونه، ولهذا يقدس الإيزيديون الشمس لحد الآن. أما نفورهم من كلمة الشيطان فقد أتت نتيجة مقاطعة اللعن "ليس إلاّ"، بحسب جندي.
ويعرف الإله الأعظم للإيزيديين باسم "ئيزدان"، وفقًا لتقارير عن الديانة، ويحظى بمكانة عالية لديهم "إذ لا يمكن عبادته بشكل مباشر"، ويعتبر "صاحب قوة كامنة"، كما يعتقدون أنّ "هناك سبعة أرواح أخرى تنبثق عن هذا الإله، أعظمها هو الملَك طاووس، المنفذ الفاعل للمشيئة المقدسة".
ويرمز الطاووس في المسيحية القديمة إلى الخلود، لأن لحمه لا يفسد. ويعتبر "الملك طاووس عند الإيزيديين تجسيدًا لذات الإله ولا ينفصل عنه"، لذا فإن هذه الديانة تعتبر من الديانات التوحيدية.
ويصلي الإيزيديون إلى الملك طاووس خمس مرات يوميًا، كما أن عندهم له تسمية أخرى هي "الشيطان"، لذا فإن ذلك ما جعلهم معروفين خطأً لدى الناس بأنهم "عبدة الشيطان".
ديانة غير تبشيرية ومعتقدات مقاربة للإسلام[3]
والإيزيدية ديانة غير تبشيرية؛ ولا يجوز الدخول إليها إن لم تولد إيزيديًا، وإذا تركها أحدهم لا يعود إليها مرة أخرى. ويعدها الكثيرون، من ضمنهم أمير الإيزيدية "تحسين بيك"، قومية مستقلة وديانة، وفي حين يصنف كثير من الإيزيديين أنفسهم كُرد القومية، يعتبر قسم ثالث من الإيزيديين أنفسهم عرب القومية، مثل إيزيدية بعشيقة وبحزاني.
ويختن الإيزيديون أبناءهم الذكور كما يفعل المسلمون واليهود، ويوم الأربعاء في عقيدتهم هو يوم خلق الكون، الأمر الذي يستوجب أن يُعطّل الناس أشغالهم فيه ويتفرغوا للعبادة، لكن بصورة غير اختيارية.
وينقسم الإيزيديون إلى ثلاث طبقات دينية "الشيخ، البير، المريد"، ولا يجوز التزاوج بينها، كما لا يتزوج الإيزيدي إلا إيزيدية، الأمر الذي يتسبب في انحسار أعدادهم. وتنقل التعاليم الدينية والأدعية والصلوات والشعائر عن طريق التلقين الشفوي فقط، مما يتسبب في ضياعها بموت رجال الدين.
ليس لهم كتاب مقدس
وادعى التقرير أيضًا، أنّ "الإيزيديين يحرمون تعلم القراءة والكتابة، ولديهم مصحف يسمى (الكتاب الأسود)".
المعلومة مضللة، إذ يؤكّد مسؤول مكتب "معبد لالش" لقمان سلمان محمود[4]، أنّ "الديانة الإيزيدية ليس لها أي كتاب مقدس، لأن الكتب المقدسة تنزل مع الأنبياء والرسل، والإيزيديون لا يحتاجون إلى نبي، لأن النبي يأتي عندما يخرج الإنسان عن طريق الله فيأتي النبي لتصحيح أخطائه وإعادته إلى الطريق الصحيح"، وأن "الإيزيديين لم يخرجوا عن طريق الصواب، وما زالوا مستمرين بوجود الله والملائكة السبع وعدم الاعتداء على الديانات الأخرى أو الإساءة إليها، فهم مسالمون جدًا"، على حد تعبيره.
في الوقت ذاته، يشير محمود، إلى أنّ "للإيزيدية بعض الكتب الدينية لكنها ليست مقدسة، لأنها ليست منزلة من الله"، ويقول إنّها "تضم النصوص الدينية"، وتعرف بـ "مصحف فارش"، و"الجلوة"، لكنها "تعرضت للضياع نتيجة حملات الإبادة الجماعية، مثلما ضاعت صور آل شنكار في عام 2014 عند تعرضهم لهجمات داعش".
ويدرس أتباع الديانة الإيزيدية، بحسب محمود، منهجًا خاصًا خلال كل المراحل الدراسية، مع الإسلامية والمسيحية، يتضمن تعاليم الديانة الإيزيدية، ومنها "عبادة الله والأخلاق والأخوة والتسامح واحترام الآخر والتعايش السلمي ونبذ كل أنواع العنف والكراهية والمحبة والسلام".
تعدد الزوجات لدى الإيزيديين؟
ومن بين المعلومات المضللة التي تناولها التقرير، "إتاحة تعدد الزوجات لدى الإيزيديين حتى 6 نساء"، إذ يؤكّد موقع "بحزاني"، وهو منصة صحفية إيزيدية، أنّ "النصوص الدينية المقدسة لا تبيح للإيزيدي الزواج بأكثر من امرأة، إلا في حالات خاصة مثل عدم إنجاب الأطفال، ومن أجل استمرار الديانة وعدم انقراضها، وحينها يمكن للرجل الزواج من ثانية، كما يمنع تعدد الأزواج للمرأة كما في أغلب الديانات".[5]
المجازر لا تتوقف![6]
تعرض الإيزيديون لأكثر من 72 حملة إبادة عبر التاريخ لأسباب دينية وعنصرية واقتصادية، خاصة في فترة حكم العثمانيين في القرنين الثامن والتاسع عشر، ولعل أبرز حملات الإبادة هي "حملة نادر شاه" في العام 1743 للميلاد، وحروب الإبادة العثمانية التي شنت ضد إيزيدي جزيرة ابن عمر في الجزيرة، وتم وقتها ذبح الآلاف منهم في جبل سنجار لإجبارهم عن التخلي عن دينهم، وتكررت هذه الهجمات في عام 1872 للميلاد.
أما خلال القرن العشرين فقد تعرض الإيزيديون للعديد من حملات الإبادة، بما فيها حملة تشريد الإيزيديين من قبل الإتحاد والترقي، إبان مذابح الأرمن عام 1915، ومن ثم حملة إبراهيم باشا سنة 1918، وحملة سنة 1953 من قبل الجيش العراقي والجمهوري والبعثي.
وبعد سقوط صدام حسين تعرض الإيزيديين إلى حملة خلال فترة العنف الطائفي في 2007، وكان آخر المجازر ما وقع إثر سقوط الموصل بيد تنظيم "داعش"، عام 2014، حين قتل واختطف الآلاف من الإيزيديين، وما يزال مصير الكثير منهم مجهولاً.[6]
موطن الإيزيديين[7]
يقدر عدد الايزيديين في العالم حسب أرقام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بحوالي 800 ألف إيزيدي، يعيش حوالي 550 ألف منهم في العراق.
ويعيش 75% من الإيزيديين في العراق في المنطقة الجبلية القريبة من الحدود السورية، و10% منهم يعيشون في المنطقة الكردية في مدن مثل دهوك والسليمانية وأربيل، فيما يقطن البقية في منطقة شيخان.
أخبرنا، هل سمعت إشاعة أو معلومة غير دقيقة عن الأقليات الدينية؟