مجتمع التحقق العربيهو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها
nan
على نحو واسع انتشرت قرارات جديدة صادرة عن اللواء علاء الفتلاوي قائد الشرطة في محافظة النجف، تنص على حظر وجبات شعبية، من بينها "سمك الجري" والأخطبوط، بوصفها "أطعمة محرمة"، في إطار حملة مشددة هدفها "نشر القدسية" يحرص الفتلاوي على تطبيقها باعتبارها "أولوية قصوى".
وعلى الرغم من الجدل الكبير الذي أثارته هذه القرارات، إلاّ أنّها لم تنشر رسميًا عبر إعلام قيادة الشرطة والمنصات التابعة لها، في محاولة لتجنب غضب الرأي العام، كما علم "صحيح العراق" من مصادر أمنية في النجف، خاصة وأنّ هذه القرارات "ليست قانونية"، كما سيتضح في سياق هذا التقرير:
"القدسية".. محاصرة النساء في الفنادق
تولى اللواء علاء الفتلاوي منصب قائد الشرطة في النجف نهاية عام 2023، ومنذ ذلك الحين ترد كلمة "قدسية" في عدد غير قليل من البيانات المرتبطة بالإجراءات والنشاطات التي تنفذها الشرطة، ثم تحولت إلى حملة يقودها الفتلاوي بنفسه، حين ظهر في جولة ليلة وهو يوجه أوامر صارمة بمنع دخول أي امرأة لا ترتدي "العباءة أو الجبة المحتشمة" إلى المدينة.[1]
وفي سياق الحملة، انتشر بشكل واسع بيان لقيادة الشرطة يتضمن توجيهات وتعليمات جديدة مشددة إلى أجهزة الأمن، لتقييد حركة النساء ومنعهن من تدخين الأركيلة، وحظر وجبات طعام محددة باعتبارها "محرمة"، بهدف "الحفاظ على قدسية مدينة أمير المؤمنين (ع) وأمنها"، وينص على ما يلي:[2]
1- أخذ تعهدات خطية من قبل الأمن السياحي على أصحاب الفنادق بمنع خروج الزائرات غير المحتشمات من الفندق إلا بعد ارتداء العباءة أو الجبة الإسلامية وسيتم تدقيق كاميرات الفندق بعد ضبط أي مخالفة في شوارع المدينة القديمة التأكد من سكن الزائرة ومحاسبة صاحب الفندق في حالة كونها خرجت من باب الفندق غير محتشمة بعد ملاحظة الكاميرات.
2- أخذ تعهدات خطية من قبل الأمن السياحي من أصحاب الكوفيات في جميع أنحاء المحافظة بمنع تقديم الأرجيلة إلى النساء وفي حالة ضبط أي امرأة تستخدم الاركيلة في أي كوفي او مطعم يتم غلق الكوفي أو المطعم.
3- تم توجيه الأمن الاقتصادي بمنع بيع الأطعمة المحرمة حسب فتوى مراجعنا الأفاضل مثل بيع الأخطبوط والقواقع والجري في بعض محلات الأسماك.
4- إجراء حملات على أسعار المواد الغذائية واللحوم استعداداً لمنع ارتفاعها في شهر رمضان.
الفتلاوي نشر الأوامر عبر الواتساب
هذه الأوامر انتشرت بشكل واسع عبر وسائل الإعلام والصفحات والحسابات على منصات التواصل الاجتماعي، لكنها لم تنشر بشكل رسمي من قبل قيادة الشرطة، بناءً على توجيهات صدرت من الفتلاوي تقضي بنشرها "عبر المجموعات الإعلامية على تطبيق واتساب"، دون نشرها على الصفحات الرسمية لقيادة الشرطة "خشية ردود الأفعال الغاضبة والتعليقات الساخرة"، كما يؤكد ضابط برتبة نقيب تحدث إليه "صحيح العراق".
ويقول الضابط، إنّ هذه الأوامر صدرت بالفعل، مع توجيه بتطبيق تلك التوجيهات دون إثارة الرأي العام، من خلال عدم نشر البيان في الصفحة الرسمية للقيادة، إلا أنه وزع على صفحات وإعلاميين لضمان إيصال تلك التوجيهات إلى الجميع".
ورفضت قيادة الشرطة نفي أو تأكيد هذه الأوامر، واكتفت في تعليق لـ "صحيح العراق" صدر عن مسؤول في قسم الإعلام، بدعوة "وسائل الإعلام إلى عدم إثارة الرأي العام ومساعدة القوات الأمنية في تطبيق القانون"، دون تقديم أي تفسير للبيان.
بدوره، قال ضابط مسؤول، إنّ "هذه الأوامر لم تصدر بعلم وزارة الداخلية"، دون إبداء أي تعليق إضافي خلال اتصال مع "صحيح العراق".
هل يسمح القانون بمنع أكل "الجري"؟
وتمثل هذه القرارات "مخالفة صارخة واعتداءً على القانون"، وهي قرارات "ارتجالية تأتي عادة لكسب الجهات الفاعلة، الدينية والمسلّحة مثلاً"، بحسب عضو نقابة المحاميين العراقيين علي القيسي، والذي يؤكد أنّ القوانين العراقية النافذة لا تتضمن أي نص يبيح ما صدر عن قائد الشرطة، مبينًا أنّ "ثمّة قرارات أخرى طُبّقت في مدن ثانية وتحوّلت إلى قانون، وهي مخالفة للقانون، مثل منع ارتداء الشبّان شورت قصير للركبة، أو منع قصّات (تصفيفات) شعر معينة، مثلما حدث في الأنبار أقصى غربي العراق"، وهي قرارات تمثل "اعتداء على القانون، في ظلّ غياب جهات رقابة تمنع تجاوزات كهذه".[3]
ويحرم، وفق الفقه الشيعي الإثني عشري، تناول "سمك الجري" والأخطبوط باعتبارهما من الكائنات التي تعيش في الماء و"ليس لها فلس". و الفلس هو قشر دائري الشكل في الغالب يغطي جلد السمكة (القشور)، و يستندون في ذلك إلى روايات منسوبة إلى الأئمة من آل البيت، على خلاف معتنقي المذاهب السنية التي تبيحها.[4]
"قانون القدسية"
ومع كلّ مناسبة أو فترة مرتبطة بالانتخابات، تبرز مطالبات بسن "قانون قدسية محافظة النجف"، والذي كان قد أعد في مسودة عبر مجلس المحافظة عام 2019. ونصت المسودة على "تجريم بيع وتناول الخمور والمخدرات، والأفلام الإباحية"، وصنفت الحفلات الراقصة، وعدم ارتداء الحجاب، وتشغيل الأغاني في الشوارع العامة من قبل أصحاب المحلات التجارية أو المركبات، وعرض الملابس النسائية في الشوارع، أو واجهات المحلات، من بين "الجرائم".[5]
وتنص المادة السادسة من مشروع القانون على "تشكيل جهة رقابية تتابع المخالفات المنافية للآداب في النجف"، كما توعدت المادة الثامنة بعقوبات على المسؤولين المحليين الذين لا يطبقون القانون.
وفي الدورة الحالية لمجلس المحافظة، تجددت المطالبات بتشريع القانون لم يمرر في الفترة السابقة، حيث طالب النائب الثاني لمحافظ النجف، كرار محبوبة، مجلس المحافظة باستكمال تشريع قانون "قدسية النجف"، لمنع الإساءة لملامح المدينة من خلال بعض المناسبات الدخيلة والاحتفالات الغريبة. وقال محبوبة في بيان، (6 نيسان أبريل 2024)[6]، إنّ "النجف الأشرف استمدت قدسيتها من وجود ضريح الإمام علي، وكذلك احتضانها لأولياء الله الصالحين ولأكبر حوزة علمية دينية في العالم، و وجود أنفاس مرجعيتنا الرشيدة"، وإنّ القانون يهدف إلى منع "العديد من الشعائر الدخيلة المسيئة للشعائر الدينية، وكذلك الممارسات والاحتفالات الغريبة ببعض المناسبات وفي أماكن معينة تتخللها بعض الممارسات في المطاعم والمقاهي.. ومنع الإساءات المتكررة التي يحاول البعض من خلالها تغيير ملامح أصالة هذه المحافظة".