مجتمع التحقق العربيهو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها
nan
مع عودة الرئيس الأميركي ترامب إلى البيت الأبيض، برزت التحذيرات من قيود اقتصادية قد تفرض على العراق إثر استمرار أزمة الدولار، المرتبطة بتهريب العملة الصعبة، وغسيل الأموال، بالنظر إلى ارتفاع حجم التمويل للتجارة للعام الماضي بما يفوق 81 مليار دولار، وهو أعلى مبلغ بالدولار قام العراق بتحويله في تاريخه خلال عام واحد.
جاء هذا الارتفاع على الرغم من القيود الصارمة التي فرضتها الولايات المتحدة، ممثلة بوزارة الخزانة وبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، على التحويلات المالية بالدولار من البنوك العراقية. وتهدف هذه الإجراءات، بحسب واشنطن، إلى منع تدفق الأموال إلى دول تخضع لعقوبات، وبالتحديد إيران.
واستجابة لهذه الضغوط، أعلن البنك المركزي العراقي عن إيقاف العمل بالمنصة الإلكترونية لبيع الدولار اعتبارًا من مطلع عام 2025، مع الاستمرار في تمويل التجارة الخارجية عبر البنوك الوسيطة وفقًا للمعايير الدولية، لكن هذا الإجراء لم يفض إلى أي تأثير حقيقي بالنظر إلى حجم المبيعات اليومية من الدولار، والتي ما تزال تسجل ارتفاعًا كبيرًا، كما يستعرض "صحيح العراق" في هذا التقرير الموجز.
2024: الرقم القياسي الهائل
انتهى العام الماضي بأعلى مبيعات من الدولار في تاريخ البنك المركزي العراقي، بما يفوق 81 مليار دولار، وبقفزة بفارق يصل إلى أكثر من الضعف مقارنة بعام 2023.
ويؤشر هذا الارتفاع الهائل إلى استمرار عمليات تهريب الدولار وبوتيرة أعلى عبر الفواتير التجارية المزورة، بالاستناد إلى ما أكّده رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني بنفسه في مقابلته الشهيرة بداية عام 2023.[1]
2025: إغلاق النافذة لم يفض إلى شيء![2]
كلّ هذا كان قبل الإعلان رسميًا عن إيقاف النافذة الإلكترونية لبيع العملة رسميًا مع بداية عام 2025، واعتماد آلية جديدة لتمويل الأرصدة عبر من خلال البنوك المراسلة (الوسيطة)، حيث يقوم البنك المركزي العراقي بتعزيز الأموال إلى بنكين أميركيين مع سبعة مصارف أجنبية إماراتية تركية أردنية، وتقوم بدورها بعمليات الاعتمادات والتحويلات المصرفية للمصارف العراقية لتغطية احتياجات التجارة الخارجية للعراق.
ومع ذلك، يظهر من مراجعة أجراها "صحيح العراق" لمبيعات البنك المركزي من الدولار منذ مطلع العام، أنّ البنك ما يزال يبيع الدولار بوتيرة متصاعدة، كما يلي:
باع العراق من مطلع العام وحتى اليوم الثلاثاء 28 كانون الثاني يناير: 4.963 مليار دولار خلال 17 يوم عمل فقط، بمعدل أكثر من 291 مليون دولار يوميًا.
وسجلت مبيعات البنك المركزي من الدولار ارتفاعًا كبيرًا خلال الأسبوع الأول للرئيس الأميركي ترامب في ولاية الثانية، مقارنة بالأسبوع الذي سبقه.
الأسبوع الذي سبق عودة ترامب:
الأحد: 288.993.829 دولار.
الإثنين: 289.734.323 دولار.
الثلاثاء: 286.331.579 دولار.
الأربعاء: 287.904.395 دولار.
الخميس: 294.231.452 دولار.
الأحد: 281.623.107 دولار.
المجموع: 1.728 مليار دولار.
أسبوع عودة ترامب:
الإثنين 20 كانون الثاني يناير: 307.010836 دولار.
الثلاثاء: 287.882.784
الأربعاء: 296.160.477
الخميس: 299.249.476
الأحد: عطلة
الإثنين: 296.590.953
الثلاثاء: 299.950.287
المجموع: 1.786 مليار دولار، بزيادة مقدارها نحو 58 مليون دولار.
وباع البنك المركزي في يوم تنصيب ترامب، الإثنين 20 كانون الثاني يناير، أعلى مستوى من الدولار منذ بداية هذا العام، إذ باع أكثر من 307 مليون دولار.
ويعيد هذا الرقم إلى الأذهان تصريح السوداني، الذي احتج بعد فترة قصيرة من توليه رئاسة الحكومة، على حجم مبيعات مزاد العملة في البنك المركزي العراقي. وقال حينها السوداني: "دائمًا نتحدث عن وجود فواتير مزورة وخروج الأموال إلى الخارج عن طريق التهريب وهذا واقع"، مبديًا استغرابه من استيرادات كانت تصل قيمتها لنحو 300 مليون دولار يوميًا.[3]
وفي حينها أيضًا، أقر مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية، مظهر محمد صالح، بأن "العراق لا يحتاج إلى هذه المبالغ الهائلة بحجم الاستيرادات الكبيرة، وتنوع وتعدد السلع التي يتم استيرادها بدون فرض رقابة عليها، خصوصًا السلع الكمالية أو التافهة التي نراها في الأسواق ويتم إنفاق العملة الأجنبية عليها"، واقترح "تنشيط القطاع الصناعي العراقي والتحول إلى نظام أتمتة لتسجيل البضائع الواردة، ليتبين لنا ما هي البضائع التي تصل فعلاً والتي تم تزويد التجارة بمبالغ مالية من العملة الصعبة وشراء الدينار منهم مقابلها"، كما اقترح "إخضاع المنافذ الحدودية ومعاملتها على أنها منطقة واحدة".[4]
ويعبر استمرار المبيعات المتصاعدة دون الاستجابة إلى التحذيرات، عن خلل كبير وعدم جدوى إجراءات البنك المركزي، إذ يقول الخبير نبيل المرسومي، إنّ "هناك فجوة كبيرة تصل إلى 15 في المئة بين سعر الصرف الرسمي للدولار وسعر السوق، ما يدل على أن إجراءات البنك المركزي لم تؤت ثمارها المطلوبة، حيث ما زالت الفجوة كبيرة وخاصة في التعامل مع إيران تحديدًا، إذ أنّ التجارة الحدودية كبيرة مع إيران"، دون أن يستبعد تعرض العراق إلى عقوبات نتيجة استمرار عمليات تهريب الدولار، من قبل إدارة الرئيس ترامب، بالنظر إلى تراجع في الاحتياطي النقدي العراقي، حيث أنّ "البنك المركزي أصبح يبيع أكثر مما يشتري من الدولار".[5]
وسبق أن شخصت هيئة النزاهة، في تقرير عن مزاد بيع العملة، العديد من المخالفات والخروقات الكبيرة في التعليمات والقوانين التي صدرت من البنك المركزي، وقالت إنّها وقعت نتيجة إهمال متعمد أدى إلى حدوث تجاوزات خطيرة أفرزت ظاهرة تهريب العملة كأحد أهم أوجه الفساد في العراق، مبينًا أنّ عمليات التهريب تجري عبر مظاهر عدة من بين أهمها "الفواتير الخاصة بالاستيرادات السلعية الوهمية".[6]