مجتمع التحقق العربيهو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها
nan
بذريعة وجود النواب في محافظتهم ومناطق إقامتهم، قالت رئاسة مجلس النواب إنّ جلسات البرلمان لن تستأنف قبل انتهاء إجراءات التعداد العام، ولم تحدد موعدًا دقيقًا لعقد أولى الجلسات بعد أزمة الرئاسة بانتخاب محمود المشهداني، وهو ما أثار اعتراضات وأسئلة عن الأسباب، في ظل حديث عن أزمة سياسية "سنية - كردية".[1]
ودخل البرلمان الأسبوع الثاني من مدة تمديد الفصل التشريعي البالغة شهرًا واحدًا، والتي كان الهدف منها تدارك ما يمكن من القوانين خاصة الجدلية، إذ تعد هذه الدورة هي "الأسوأ"، بوصفها لم تبلغ الحد الأدنى لعدد جلسات العمل المقررة بـ 8 جلسات شهريًا على الأقل.[2]
تمديد غير حقيقي!
ويوجب النظام الداخلي للبرلمان في المادة "22"، أنّ يعقد المجلس دورة سنوية بفصلين تشريعيين أمدهما ثمانية أشهر، يبدأ أولهما في 1 آذار مارس، وينتهي في 30 حزيران من كل سنة، ويبدأ ثانيهما في 1 أيلول سبتمبر وينتهي في 31 كانون الأول ديسمبر، أي أنّ العطلة التشريعية السنوية تتمثل وفق القانون، بشهري تموز يوليو وآب أغسطس (السابع والثامن فقط).[3]
أما في هذه الدورة فقد قرر مجلس النواب أخذ عطلة تشريعية لشهر واحد، من 9 حزيران الى 9 تموز، إثر الإشكالات المرتبطة بقضية رئاسة مجلس النواب، وبقي للمجلس عطلة أخرى لمدة شهر كان من المقرر أنّ يستوفيها ثم يدخل في عطلة تمتد إلى شهر آذار مارس، حيث من المقرر أن تبدأ السنة التشريعية الأخيرة من عمر هذه الدورة.
ولن يعقد البرلمان أي جلسة إلاّ بعد انتهاء التعداد السكاني الذي سيجري يومي 20 و21، أي الأربعاء والخميس من هذا الأسبوع، ما يعني أنّ أقرب موعد لعقد الجلسة بناءً على قرار رئاسة البرلمان لن يكون قبل يوم السبت 23 تشرين الثاني نوفمبر، أي بعد انقضاء نصف مدة التمديد، ما يعني أنّ البرلمان أخذ نصف عطلة فعليًا، ثم سيأخذ عطلة أخرى لمدة شهر، أي أنّ العطلة أصبحت 45 يومًا بدل 30.
انتخاب المشهداني لم يغير شيئًا
وانتخب مجلس النواب في 31 تشرين الأول أكتوبر، رئيسًا جديدًا لينهي أزمة امتدت لنحو سنة ظل فيها المنصب شاغرًا، بعد استبعاد رئيس تحالف تقدم محمد الحلبوسي من المنصب، حين فاز محمود المشهداني على حساب النائب سالم العيساوي في الجولة الثانية.[4]
وجاء قرار تمديد الفصل التشريعي عقب ذلك على أمل حسم سلة القوانين الثلاثية التي يدور حولها الكثير من الجدل، تعديل قانون الأحوال الشخصية، تعديل قانون العفو العام، وقانون العقارات، لكن وجود المشهداني في الرئاسة لم يسهم في حلحلة الملف الذي ينتظر التوافق بين القوى البرلمانية الكبرى التي تقف كلّ واحد منها خلف أحد هذه القوانين.[5]
أزمة أخرى: الحلبوسي والبارتي
وسط سجال القوانين الثلاثة برزت أزمة جديدة ساهمت في رفع التوتر، إذ قالت النائبة عن كتلة الجيل الجديد سروة عبد الواحد، إنّ عدم عقد جلسات البرلمان بعد انتخاب المشهداني مرتبط بالأزمة بين حزب تقدم بزعامة محمد الحلبوسي والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، حيث ترفض كتلة الحلبوسي عقد الجلسات قبل إقالة النائب الثاني لرئيس البرلمان شاخوان عبد الله، على خلفية جدل حول قانون العقارات تطور إلى "عركة بالأيدي" بين الأخير والنائب عن كتلة تقدم هيبت الحلبوسي، في جلسة البرلمان يوم 29 تشرين الأول أكتوبر 2024، وحينها تعرض الحلبوسي إلى الضرب على يد أحد أفراد النائب الثاني.[6]
وتوعد هيبت الحلبوسي بعدها بجمع تواقيع نيابية لإعفاء شاخوان عبد الله من منصب النائب الثاني، وطلب الحلبوسي من رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود برزاني، ترشيح شخص آخر، مؤكدًا "احترام استحقاق الحزب الديمقراطي الكوردستاني للمنصب".[7]
فيما اتهم رئيس تحالف تقدم محمد الحلبوسي، نائب رئيس البرلمان شاخوان عبد الله بإدخال حمايته الشخصية إلى "البرلمان والاعتداء على النواب"، قبل أن يطلق نواب تحالف تقدم حملة فعلية لإقالة عبد الله.[8]
القوى السنية الأخرى غير معنية
لكن الحملة لم تجد صدى واضحًا لدى القوى السياسية السنية الأخرى، إذ قال رئيس تحالف عزم مثنى السامرائي إنّ القضية "تعني حزب تقدم، ولدينا علاقة جيدة مع الديمقراطي، ولدينا علاقة استراتيجية مع الجميع"، نافيًا انسحاب نواب كتلته من الجلسة إثر الشجار، كما أكّد أنّ الشجار كان جزءًا "من محاولة لإحداث فوضى لعرقلة الجلسة، حتى لا تأتي بعدها جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب".[9]
هذه التفاصيل أكّدها قيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني تحدث لـ "صحيح العراق"، مشيرًا إلى أنّ هيبت الحلبوسي "كان سببًا في تعطيل الكثير من الجلسات منذ إقالة رئيس المجلس السابق محمد الحلبوسي".
وقال القيادي الذي نتحفظ على كشف هويته، إنّ الذي بادر بضرب هيبت الحلبوسي "هو أحد أفراد الحماية، ولا ذنب لنائب رئيس مجلس النواب، وعليه فإنّ العقوبة تتعلق بالشخص الذي ارتكب هذه المخالفة".
البارتي غير مهتم
ولا يعدو الحديث عن إقالة شاخوان عبد الله "سوى مناكفة سياسية لن تنجح"، على حد تعبير القيادي في حزب بارزاني، والذي يستند في هذا الاعتقاد إلى "قوة الحزب الديمقراطي وحجمه الذي برهن عليه من خلال الانتخابات في إقليم كردستان"، مبينًا أنّ أيًا من القوى السياسية "لن تتورط في خصومة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، بالنظر إلى قرب الانتخابات المقبلة والتي ستحتاج بعدها إلى تحالفات قوية مع الكتل الكبيرة، ومنها البارتي".
في الوقت ذاته، يؤكّد القيادي في الحزب الديمقراطي، أنّ فشل البرلمان في استئناف جلساته بعد انتخاب المشهداني ليس متعلقًا بهذه القضية، بل يعود إلى الخلافات السياسية المتعلقة بالقوانين الثلاثة. وهو ما تؤكده الأرقام أيضًا إذ أنّ عدد نواب تحالف تقدم لا يسمح له بتعطيل جلسات البرلمان.[10]
السلة المثيرة للجدل
وينظر إلى عدم عقد جلسات البرلمان كدليل على فشل القوى السياسية الكبرى (الإطار التنسيقي والقوى الكردية والسنية) في الاتفاق على صيغة لحسم هذه القوانين، حتى بعد الجولة السياسية التي أجراها محمود المشهداني عقب انتخابه رئيسًا. يتبنى الإطار التنسيقي الشيعي تعديل قانون الأحوال الشخصية، فيما تتبنى الكتل السنية تعديل قانون العفو العام، أما الكتل الكردية فتريد تشريع قانون إعادة العقارات إلى أصحابها المشمولة ببعض قرارات مجلس قيادة الثورة، بهدف الوصول إلى عقارات في كركوك والمناطق المتنازع عليها.[11]
ويلاحظ أن البرلمان يقوم في كل مرة بإدراج القوانين الجدلية في جلسة واحدة، وهو إجراء يطلق عليه "السلة الواحدة" ويلجأ إليه البرلمان في حال وصول النقاشات بشأن قانون معين إلى طريق مسدود، وبشكل يعزز مصلحة الكتل السياسية واستقطاباتها الطائفية والفئوية والجهوية.[12]
وهنا يقول النائب سجاد سالم لـ "صحيح العراق"، إنّ "رئيس البرلمان الجديد يخوض حاليًا جولة من المفاوضات مع زعماء الكتل للتوصل إلى اتفاقات بشأن هذه القوانين"، ويتوقع استئناف جلسات البرلمان "خلال الأسبوع المقبل حتى مع استمرار الخلاف بين حزب تقدم والحزب الديمقراطي الكردستاني".
البرلمان أهدر نصف الجلسات المقررة هذه السنة!
وافتتح مجلس النواب هذه السنة التشريعية (الثالثة) في 13 كانون الثاني يناير 2024، وعقد 27 جلسة فقط خلال فصله التشريعي الأول منها، كانت آخرها جلسة يوم الإثنين 3 حزيران يونيو[13]، أي أنّ المجلس عقد أقل من 6 جلسات شهريًا بالمعدل، في مخالفة لنظامه الداخلي الذي يوجب عقد 8 جلسات خلال كلّ شهر على الأقل.
أما الفصل التشريعي الثاني (الحالي)، فقد بدأ في 20 تموز يوليو، وشهد انعقاد 13 جلسة اعتيادية فقط كان آخرها في الأول من تشرين الأول أكتوبر الماضي، كما عقد جلسة انتخاب رئيس المجلس الجديد محمود المشهداني في 31 من الشهر نفسه، أي أنّ معدل عدد الجلسات الشهرية خلال هذا الفصل كانت نحو 3 جلسات فقط.[14]
وبالمجمل تظهر هذه البيانات أن مجلس النواب عقد خلال هذه السنة التشريعية التي باتت على بعد أسبوعين من نهايتها 41 جلسة فقط على مدار نحو 10 أشهر، بمعدل 4 جلسات شهريًا، أي أنّ المجلس أهدر نصف الجلسات المقررة قانونيًا.