مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

هل كان هناك فساد في إحباط استثمار دولي كبير في العراق؟

هل كان هناك فساد في إحباط استثمار دولي كبير في العراق؟
SaheehNewsIraq

الكاتب

SaheehNewsIraq
nan كشف تحقيق صحفي تفاصيل قضية فساد أدت إلى إحباط واحدة من أبرز الاستثمارات الدولية في العراق، بالاستناد إلى وثائق وأدلة اعتمدتها هيئة تحكيم بريطانية، من بينها أصول منزلين كبيرين في اثنين من أفخم أحياء لندن، حصل عليهما كل من القياديين في حزب الدعوة صفاء الدين ربيع علي الخويلدي، أثناء فترة إدارتهما لهيئة الإعلام والاتصالات. ما يشترك فيه العقاران، بحسب التحقيق الذي نشرته صحيفة "The National"، هو أنهما استُخدما كرشاوى مقابل تمكين عملية احتيال بقيمة 810 ملايين دولار لصالح شركة كورك، إذ تواطؤ صفاء الدين ربيع وعلي الخويلدي في مؤامرة مع سيروان صابر مصطفى بارزاني، ابن شقيق زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيس إقليم كردستان السابق مسعود بارزاني، والتي أدت في النهاية إلى خسارة العراق واحدة من أهم الاستثمارات في مجال الاتصالات. "صحيح العراق" ترجم التحقيق الذي أعاد إلى الواجهة قضايا فساد كبيرة تواجه مسؤولين في هيئة الإعلام والاتصالات لم تحسم منذ سنوات طويلة، وما يزال أبرز المتهمين خارج أي إجراءات مساءلة من قبل الجهات المعنية.[*] 10 دقائق عن ملعب ويمبلي تبرز لافتة تحمل عبارة "سلام" على مقدمة المنزل الفخم بالقرب من ملعب ويمبلي في أفخم أحياء لندن، لتشير إلى أصول أحد السكان السابقين للمنزل؛ حيث عاش علي الخويلدي في هذا المنزل المكون من أربع غرف نوم، وهو يبعد حوالي 10 دقائق سيرًا عن الأقدام من الملعب العريق، وقد أقام هناك بين عامي 2016 و2017 بعد هروبه من منصبه كمدير تنفيذي لهيئة والإعلام والاتصالات في العراق.[1] وفي الطرف الآخر من لندن، في بلدة بانستيد الهادئة، يوجد عقار آخر أكبر حجمًا منفصل، يمتاز بحديقة مهملة ومسار مغطى بالأعشاب البرية. هذا المنزل تم شراؤه بمبلغ 1.5 مليون جنيه إسترليني (1.9 مليون دولار) قبل عقد من الزمن ليكون منزلًا لصفاء الدين ربيع، رئيس مجلس مفوضي الهيئة، ورئيس جهازها التنفيذي لأربعة أعوام.[2] صفقة الـ 1.25 مليار دولار.. البداية بدأت القصة حين حصلت كورك على رخصة وطنية في 2007 من هيئة الإعلام والاتصالات العراقية، مقابل 1.25 مليار دولار، ثم واجهت بحلول عام 2010، تحديات مالية وتقنية، ما دفعها إلى عقد شراكة مع شركتي "أورانج Orange" الفرنسية، و"أجيليتي Agility" الكويتية للاتصالات.[3] بموجب العقد جرى إنشاء شركة قابضة جديدة باسم "International Holdings"، نُقلت إليها جميع أسهم كورك، إلى جانب الأسهم المستثمرة حديثًا، وحينها استثمر الشريكان الأجنبيان حوالي 810 ملايين دولار مقابل حصة 44% في كورك، بينما احتفظ المساهمون العراقيون، بقيادة سيروان بارزاني، بحصة الأغلبية.[4] اتفاق ثم مؤامرة! في آذار مارس 2011 تمت الصفقة مع خيار شراء إضافي للأسهم، يُعرف بـ (Call Option)، والذي كان سيتيح للمستثمرين الأجانب السيطرة الكاملة على كورك، بعد أنّ أسسوا شركة باسم "Iraq Telecom". ولكن في عام 2013 سعى بارزاني[5] والشركاء المحليون إلى منعهم من تنفيذ هذا الخيار. من هنا بدأت المؤامرة التي اشتركت فيها هيئة الإعلام والاتصالات عبر صفاء الدين ربيع وعلي الخويلدي، بحسب ما جاء في دعوى رفعها المستثمرون الأجانب أمام هيئة تحكيم بريطانية، حيث قيل إن كورك استخدمت مدفوعات نقدية وصفقات عقارية لصالح مسؤولين كبار في الهيئة لمنع السيطرة الأجنبية. بحلول كانون الأول ديسمبر 2013، أرسل صفاء الدين ربيع، ممثل هيئة الإعلام والاتصالات، خطابًا يتهم فيه كورك وأورانج Orange وأجيليتي Agility بعدم الوفاء بشروط الاستثمار. فيما أظهرت الوثائق أن هذه الاتهامات كانت "مدبرة من قبل بارزاني لإحباط خيار الشراء"، بحسب التحقيق. في ذات الفترة، تم تحويل مبلغ 18.6 مليون دولار إلى مكتب محاماة لبناني مرتبط بـ "ريمون رحمة"، وهو رجل أعمال لبناني خاضع لعقوبات أميركية، إذ أشارت المحكمة إلى أنّ المكتب كان واجهة لتحويل رشاوى إلى هيئة الإعلام والاتصالات.[6] وفي آيار مايو 2014، أعلنت شركة أورانج Orange الفرنسية نيتها السيطرة على الحصة الكبرى في كورك، لكنها اصطدمت بقرار من الهيئة صدر في الشهر اللاحق ينص على إلغاء الشراكة مع أورانج Orange وأجيليتي Agility واعتبارها باطلة، مع مطالبة شركة كورك بإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الصفقة. وقع هذا القرار باسم مجلس أمناء هيئة الإعلام والاتصالات، برئاسة علي الخويلدي، ما أدى إلى إنهاء العلاقة بين كورك والشركاء الدوليين. وفي آب أغسطس، أصدرت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية قرارًا يقضي بإعادة أسهم شركتي أورانج وأجيليتي إلى "ملاكها الأصليين"، أي سيروان بارزاني وشركائه، وفقًا لما ذكره التحكيم. وقالت المحكمة إن الأثر النهائي كان "مصادرة مصالح شركة "Iraq Telecom". الصفقة الأولى.. ويمبلي ويقول محضر المحكمة البريطانية إنّ اثنين من المسؤولين في هيئة الإعلام والاتصالات العراقية (CMC) تورطا في تسهيل الاستيلاء على أصول "Iraq Telecom"، وكشف التحقيق أن الاثنين فرّا لاحقًا إلى لندن. وفي 12 آب أغسطس 2014، حُددت عقارات من قِبَل أفراد من عائلتي الخويلدي ورَبيع بهدف شرائها كبيوت في المملكة المتحدة. وجد الخويلدي عقاره بنفسه، في حين تولت ابنة صفاء الدين ربيع "ريهام"، مهمة العثور على منزل والدها. تم تأمين الصفقة الأولى للخويلدي، وبدأت عندما كتب محامٍ يعمل لصالح رايموند رحمة إلى زميل له، قائلاً إن رجل الأعمال اللبناني "لديه صديق يريد شراء عقار سكني في لندن". كان اسم الصديق بيير يوسف، لكن موظفًا في مجموعة رحمة قال إن الخويلدي هو من قام بالتواصل مع وكيل العقارات لإتمام الصفقة.[7] صفقة مستعجلة.. 830 ألف جنيه إسترليني كان البائع يسعى للحصول على 790 ألف جنيه إسترليني، لكن موظف رحمة أكد على "ضرورة إتمام الصفقة في أسرع وقت ممكن"، وتم في النهاية دفع 830 ألف جنيه إسترليني. ووفقًا للوثائق التي استند إليها التحقيق ومنها سجلات الملكية في بريطانيا وسجلات الانتخابات، فإنّ المنزل ما يزال مسجلاً باسم بيير يوسف، لكن الخويلدي وزوجته زاهرة قاسم أقاما فيه خلال عامي 2016 و2017. عاد الخويلدي وزوجته إلى بغداد بعد ذلك، بحسب شهادة سيدة تسكن في منزل مجاور في لندن. منزل صفاء الدين ربيع المهجور.. في هذه الأثناء، كان صفاء الدين ربيع وعائلته مشغولين أيضًا في سوق العقارات بلندن. كتب موظف رحمة في عام 2016 إلى المحامي الذي يتعامل مع عقار في منطقة بانستيد، قائلًا إنهم يخططون لشرائه من خلال شركة في جزر كايمان، وهو مخطط لم ينجح إثر محاولة الحكومة البريطانية للقضاء على مثل هذه الصفقات بموجب تشريعات الشفافية. فشل الخطة دفع ربيع إلى شراء العقار عبر ابنته "ريهام" في صفقة تمت نهاية عام 2016، حيث استخدمت عنوان إحدى الشقق في منطقة إدجوير رود بلندن، والمملوكة لزوجها محمد نجم، ثم تم تغييره لاحقًا إلى عنوان في لبنان، والذي بقي في السجلات حتى اليوم. والعقار وهو منزل من ست غرف نوم غير مشغول حاليًا، ويقول الجيران إنه مهمل منذ بعض الوقت، كما أنّهم لاحظوا تحركات غير اعتيادية، مثل دخول عائلات إلى المنزل لفترة قصيرة ثم مغادرتهم فجأة، مما أثار شكوكهم حول الصفقة. وأشار أحد الجيران إلى اعتقاده بأن العملية قد تكون مرتبطة بـ "جرائم منظمة".[8] بارزاني يستحوذ مجددًا.. بعد أكثر من عامين من اتمام الصفقة الثانية، في آذار مارس 2019 تحديدًا، أصدر سجل الشركات في إقليم كردستان إشعارًا بإعادة الأسهم إلى وضعها قبل مارس 2011، إذ استحوذ سيروان بارزاني على 75% من الأسهم، وجوشين بارزاني حصل على 25%. بداية التحقيق: إثر ذلك، بدأت شركة "Iraq Telecom" إجراء قانونيًا ضد كورك وبارزاني، حيث طلبت الشركة التحكيم في عام 2020، وانتهت الإجراءات في نهاية عام 2022.[9] وبناءً على الأدلة التي قدمتها الشركة، خلصت هيئة التحكيم البريطانية إلى أن العقارات كانت جزءًا من رشاوى استفاد منها كل من صفاء الدين ربيع والخويلدي. وأكدت أن الأموال تم تحويلها من خلال مكتب المحاماة اللبناني يدعى "IC4LC"، الذي كان واجهة لنقل الرشاوى، وهو المكتب الذي يديره ريمون رحمة. من هو ريمون رحمة؟ ريمون رحمة، رجل أعمال لبناني خاضع لعقوبات أميركية، كان لعب دورًا أساسيًا في هذه المعاملات. وصفته المحكمة بأنه "وسيط" قدم الرشاوى نيابة عن الأطراف المتورطة، وأكدت أن شركته كانت غطاء لتحويل الأموال بشكل غير قانوني، كما أوضحت المحكمة أن هذه التصرفات غير قانونية وشكلت جزءًا من مؤامرة لإحباط استثمار "Iraq Telecom" في شركة كورك للاتصالات. تم تحويل المدفوعات عن طريق فواتير من كورك، مثل رسوم نجاح بقيمة 6 ملايين دولار، بالإضافة إلى "رسوم قانونية واستشارية". بين عامي 2013 و2016، دفعت IC4LC مبلغ 21.9 مليون دولار، وأشارت المحكمة إلى أن هناك "تداخلًا" بين المدفوعات، وشراء العقارات، وأفعال هيئة الإعلام والاتصالات. وأشارت المحكمة إلى أن الأدلة الموجودة، بالإضافة إلى فشل المدعى عليهم في تقديم وثائق، "تبرر الاستنتاج بأن جزءًا كبيرًا من المبالغ المسجلة كرسوم قانونية واستشارية كانت في الواقع مدفوعات" للمسؤولين. ووجدت المحكمة أن سيروان بارزاني، من خلال الحصول على قرار الهيئة عبر الرشوة والفساد، انتهك التزامه بموجب قانون دبي بـ "التصرف بصدق وبحسن نية وبشكل قانوني بما يخدم مصلحة الشركة". بالمقابل، ادعى بارزاني وكورك في دفاعهم أن شركة "Iraq Telecom" فشلت في إثبات أي صلة بينهم وبين العقارات أو أن هذه العقارات قد تم تقديمها كرشاوى للمسؤولين للتأثير على قرار الهيئة، كما شككوا في الأدلة التي قدمتها الشركة، لكن هيئة التحكيم أصدرت في النهاية قرارًا يلزم سيروان بارزاني، بالإضافة إلى شركة كورك، بدفع مبلغ 1.65 مليار دولار لصالح "Iraq Telecom". وحاولت كورك الطعن في هذا القرار، لكن محكمة مركز دبي المالي العالمي رفضت طلب إلغاء الحكم. حادث سير قتل ربيع والخويلدي ما زال هاربًا! ويتهم الخويلدي وصفاء الدين ربيع في قضايا فساد أخرى، حيث صوّت البرلمان العراقي على إقالة ربيع، عضو حزب الدعوة الإسلامي، بعد اتهامه بأخذ رشاوى وعمولات من شركات الاتصالات عام 2015. في أبريل 2022، لقي ربيع حتفه في حادث سيارة جنوب بغداد، فيما كان من المقرر أن يمثل الخويلدي أمام البرلمان للتحقيق في كانون الثاني يناير 2021، لكنه زعم إصابته بفيروس كورونا، ثم هرب مع عائلته إلى بيروت.