مجتمع التحقق العربيهو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها
هذه القصص ليست من القرون الوسطى!
ماذا تعرف عن أصحاب البشرة السمراء في العراق؟
يفتقرون للتعليم والعمل لكنهم لا يفكرون بالهجرة
مرت أكثر من 11 عامًا منذ مقتل الناشط، أسمر البشرة، جلال ذياب، في قضاء الزبير بالبصرة، مؤسس جمعية "أنصار الحرية" للدفاع عن حقوق المواطنين ذوي البشرة السمراء[1]، دون تغيير يذكر على مستوى الحقوق الأساسية لهذه الشريحة من العراقيين، إذ ما تزال تعاني تمييزًا اجتماعيًا وترديًا تعليميًا وصحيًا، فضلاً عن غياب التمثيل السياسي.
في هذا التقرير يقدم "صحيح العراق" معلومات أساسية عن العراقيين من أصحاب البشرة السمراء، أو الأفروعراقيون، ويسلط عبر قصص بعضهم الضوء على حجم التمييز الذي يواجه هذه الشريحة على مستوى التعليم والصحة والعمل.
العراقيون أصحاب البشرة السمراء
الأفروعراقيون هم عراقيون من أصول أفريقية، دخلوا البلاد من ساحل كينيا وتنزانيا وموزمبيق وزنجبار وإثيوبيا ودول أفريقية أخرى، كبحارة أو عمال أو "عبيد أسرى أو جنود مستعبدين"، عندما كانت البصرة مركزًا بارزًا لتجارة الرقيق في الإمبراطورية الإسلامية بين القرنين التاسع والتاسع عشر.[2]
يتواجد العراقيون من ذوي البشرة السمراء في محافظات البصرة، وميسان، وذي قار، كما توجد تجمعات قليلة منهم في بغداد وواسط ومدن أخرى. ويقدر سعد سلوم الخبير في شؤون التنوع في العراق أعدادهم بين 250 ألفًا و400 ألف نسمة، بناء على عملية تخمينية أجراها مع ناشطين من هذه الأقلية العرقية، إذ لا توجد إحصائية رسمية بذلك.[3]
لا حقوق ولا رعاية.. عنف وتنمر فقط!
"صحيح العراق" تحدث إلى 3 شبان وفتاتين من أصحاب البشرة السمراء يقطنون البصرة وميسان وذي قار، ويتفق جميعهم أنّ المجتمع "ما زال يعتبرهم عبيدًا".
تقول ليلي، وهو اسم مستعار لفتاة من البصرة بلغت العشرين توًا، إنّ أصحاب المحال التجارية "يوظفون أصحاب البشرة السمراء مقابل أجور أقل من أقرانهم من أصحاب البشرة البيضاء، ويفرضون عليهم مهام أشد صعوبة، فضلاً عن المعاملة غير اللائقة".
تؤكّد ليلي أيضًا لـ "صحيح العراق"، أنّ "هذه المعاناة تنتقل بين أصحاب البشرة السمراء من جيل إلى آخر، ما قاد إلى ترد مستمر على مستوى التعليم والصحة وبالنتيجة الوظائف والمكانة الاجتماعية".
ليس الحال أفضل بالنسبة إلى مخلد عبد الله، الشاب الذي يعمل في ورشة حدادة في الناصرية، إذ يقول إنّ عائلته وأقرانها "اعتادت العيش بين أفراد المجتمع كطبقة أدنى، يمكن أن تتعرض في أي لحظة إلى التنمر والعنف اللفظي أو الجسدي، سواء في المدرسة أو مواقع العمل أو الشارع".
بدورها تؤكّد كريمة المبارك، نائبة رئيس تجمع أبناء البشرة السمراء، أنّ "أطفال هذه الشريحة يتعرضون للتنمر في المدارس، دون رادع أو إجراءات من قبل إدارات هذه المدارس أو الجهات المختصة"، وتقول إنّ أبناء وبنات هذه الأقلية "يتعرضون للتجريح في الشارع".[4]
فيما تقول زينب الكاملي، ناشطة عراقية تنتمي لهذه الأقلية، إنّ التنمر على أصحاب البشرة السمراء يكون أحيانًا عبر إطلاق مفردات ساخرة مثل "الخال أو الأسود أو الباذنجان".[5]
يتطور التمييز ليأخذ أشكالاً أقسى بالنسبة للشبان والفتيات من أصحاب البشرة السمراء، إذ تمنع العادات الاجتماعية الاقتران بهم أو مصاهرتهم، كما في قصة "سمير" الذي تحدث "صحيح العراق".
"سمير" اسم مستعار أيضًا لشاب بلغ 29 عامًا، وقد اضطر إلى الهرب بعيدًا عن عائلته "ليتمكن من الاقتران بحبيبته (ص)، الفتاة السمراء التي تصغره بخمسة أعوام"، مبينًا أنّ عائلته رفضت بشكل قاطع ارتباطه بها و"هم الآن منبوذون اجتماعيًا".
أما "مشتاق"، 49 عامًا، فقد كان على موعد مع أزمة عائلية بعد 11 عامًا من الزواج، إثر إخفاء أصوله الأفريقية عن زوجته وعائلتها. ويقول لـ "صحيح العراق" عن الأزمة التي وقعت قبل 5 سنوات، إنّ عائلة زوجته "طالبته بطلاقها فورًا بعد اكتشاف السر".
أخفى "مشتاق" أصوله مستفيدًا من "لون بشرته غير الداكن"، ويشير إلى أنّ "الخوف من الرفض والنبذ والرغبة في حياة طبيعية ضمن أسرة اعتيادية بعيدًا عن التنمر والعنف، كان وراء مغادرة منطقة سكنه الأصلية، ثم إخفاء أصوله عن زوجته وعائلتها".
رفض الرجل الذي يقترب من عقده الخامس طلاق زوجته، وتمسك بحضانة أطفاله الأربعة كما يشير، ما دفع زوجته لاحقًا إلى الانضمام إليه لمواصلة حياتهما، قبل أنّ تتلاشى الأزمة تدريجيًا مع عائلتها.
التهميش.. موروث تاريخي
ينبع هذا التمييز والعنف، وفق مهدي التميمي مدير مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في البصرة، من الموروث التاريخي، على الرغم من اندماجهم بالمجتمع واندثار لهجتهم الخاصة، وسط إهمال من الجهات المسؤولة وتهميش سياسي.
يثير ذلك امتعاض ناشطين من أصحاب البشرة السمراء، إذ يؤكّد ماجد الخالدي الذي ينتمي لهذه الأقلية، أنّ "المناصب التنفيذية في البصرة تخلوا من أصحاب البشرة السمراء"، كما يشكو من بعض رجال الدين الذين يربطون لون البشرة السمراء بالعبودية، مطالبًا بتمثيلهم في مجلس النواب عبر "الكوتا" (الحصص النسبية للأقليات)، شأنهم شأن الأقليات الأخرى.[6]
فيما تقول زينب الكاملي، وهي ناشطة سمراء، إن هدفها من خلال هذا النشاط هو "الوصول لمجتمع متجانس، وأخذ الاستحقاق النيابي لهذه الفئة أسوة بالأقليات الأخرى".
لكن أصوات الكاملي والنشطاء الآخرين فضلاً عن المهتمين بقضايا حقوق الإنسان ما تزال غير مسموعة، وسط تحذيرات من عواقب وجود فئة اجتماعية غير فعالة للمجتمع لا تحظى بالحقوق الأساسية، ما قد يقود إلى تصاعد العنف لاحقًا، كما حدث في الثورة التي تعرف بـ "ثورة الزنج" في جنوب وشرق العراق في القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي زمن الخلافة العباسية.[7]
ويطالب أفارقة العراق بتجريم كل أشكال التمييز تجاههم، فضلاً عن تمثيلهم في البرلمان، ومنحهم حق المنافسة على المناصب مرموقة في الدولة، عبر تشريع قانون "حماية التنوع"، الذي ما يزال مسودة في أدراج مجلس النواب منذ سنوات.[8]
ومن المفترض أن يحل القانون بدل المادة (125) من الدستور التي تخص حقوق الأقليات، ويحظر "تفريق أو استثناء أو تقييد أو تفضيل في التعامل بين الأفراد أو الجماعات يقوم على أساس الدين أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني أو الاجتماعي أو الجنس أو اللغة أو العرق أو الرأي السياسي أو العقيدة أو المذهب أو الطائفة".[9]
ويشمل القانون إضافة إلى هذه المادة الأساسية، 19 مادة أخرى، من بين نصوصها أنّ "تكفل الدولة حق الأفراد في الحياة والأمن والحرية دون أي تمييز ولا يجوز تقييد هذا الحق إلا وفق أحكام هذا القانون أو قرار قضائي"، وأنّ "تلتزم الجهات المختصة حماية حق الملكية لكافة الافراد وحق التصرف فيها من دون تمييز"، وأنّ "تكفل الدولة ضمان المساواة وتكافؤ الفرص في حق العمل والوظيفة وفي الحياة الثقافية والاجتماعية من دون تمييز"، وأنّ تتخذ الدولة "التدابير اللازمة والبرامج المطلوبة للقضاء على التمييز بسبب النوع الاجتماعي أو الاعاقة، وتكفل اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية الأفراد والمكونات من التعرض إلى الترهيب أو الكراهية أو التمييز بسبب هويتهم القومية أو العرقية أو الدينية أو المذهبية أو النوع الاجتماعي".[10]
وتوقفت إجراءات تشريع القانون عن القراءة الأولى منذ عام 2016، على الرغم من محاولات منظمات وجهات مختصة تسريع هذه الإجراءات بعد نقاشات حول النصوص الواردة فيه.[11]
يغنون ولا يفكرون في الهجرة
وعلى الرغم من كلّ هذه المعاناة، لا يفكر أصحاب البشرة السمراء في الهجرة أو مغادرة مناطقهم الأصلية في العراق، كما توصلت دراسة أجراها مركز "المنصة للتنمية المستدامة"[12]، والتي أشارت إلى أنّ غالبية العراقيين من أصول أفريقية يعانون من انخفاض في مستوى التعليم وارتفاع معدلات البطالة وصعوبة في الحصول على خدمات صحية والتمييز.
كما يشتهر ذوو البشرة السمراء في البصرة بالفن والغناء الشعبي، وهناك عدة فرق شعبية مشهورة لهم، أبرزها "الشاهين" و"أهل الزبير" و"الخيزران".[13]