مجتمع التحقق العربيهو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها
nan
أفادت وسائل إعلام محلية وأجنبية، خلال الأيام الأخيرة الماضية بإطلاق سراح المتهم بقتل الخبير الأمني هشام الهاشمي في تموز يوليو 2020، وأثار خبر إطلاق سراح المتهم جدلًا واسعًا، حيث استرجع عدد من الصحفيين اعترافاته التي عرضت على القناة الرسمية.
"صحيح العراق" تتبع قصة اغتيال الهاشمي، واعترافات المتهم وصولًا لإسقاط التهم عنه وإطلاق سراحه.
اغتيال الهاشمي
في 6 تموز يوليو 2020، اعترض 3 مسلحين يقودون دراجة نارية سيارة الخبير الأمني والباحث في شؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي، أمام منزله في منطقة زيونة شرقي بغداد، وترجل أحدهم وفتح النار على الهاشمي، قبل أن ينزل من سيارته، بحسب ما أظهرته كاميرات المراقبة.[1]
إلقاء القبض على القاتل
بعد نحو عام على عملية الاغتيال، وبالتحديد في 16 تموز يوليو 2021، أعلن رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، عن القبض على قتلة الخبير الأمني هشام الهاشمي، وذلك في تدوينة على منصة أكس "تويتر سابقًا"، دون الكشف عن المزيد من التفاصيل.[2]
اعترافات المتهم
وفي ذات اليوم، بثت القناة الرسمية "العراقية"، اعترافات مقتضبة "من دقيقتين و37 ثانية" لشخص يدعى "أحمد حمداوي عويد معارج الكناني"، وهو ضابط برتبة ملازم أول في سلك الشرطة ومن مواليد 1985.
ويظهر الكناني، اعترافات مطابقة لفيديو عملية الاغتيال بمسدس شخصي، والذي انتشر بقوة في الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، من دون أن يتطرق إلى الأسباب التي دفعته لارتكاب الجريمة أو الجهة التي ينتمون إليها، لافتًا إلى انطلاقه مع 3 أشخاص من منطقة البوعيثة، ومن ثم الوصول والتوقف عند ركن قريب على منزل الهاشمي، وقبل نزول الأخير، يضيف: "توجهت نحوه فحاولت إطلاق النار من الغدارة، لكن توقفت ولم تعمل، فسحبت المسدس الخاص بي وأطلقت عليه 4-5 رصاصات من مسدسي الحكومي، وغادرت بالدراجة النارية".[3]
وقد عرضت القناة الرسمية العراقية، صورًا لمسدس المتهم، والذي أثبتت "الأدلة الجنائية" أنه نفس سلاح الجريمة.[4][5]
الحكم بالإعدام:
وبعد تأجيل المحاكمة عشرات المرات، بطلب من محامي المتهم، أصدر القضاء الحكم أخيرًا في 7 أيار مايو 2023، بإعدامه، عن جريمة الاغتيال، استنادًا لأحكام المادة الرابعة/1 وبدلالة المادة الثانية/1/ 3 من قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005".[6]
نقض الحكم وأسبابه
وفي 10 آب أغسطس 2023، قرر مجلس القضاء الأعلى في العراق، نقض قرار حكم الإعدام وإعادة القضية للتحقيق.[7]
وبررت المحكمة قرار النقض، بأن لجنة 29 (لجنة أبو رغيف) التي تشكلت خلال الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي من أجل مكافحة الفساد وتم حلها في 2022، وتولت التحقيق في القضية "ليست لها صلاحيات قانونية للتحقيق في الجريمة".
وأوضح رئيس محكمة جنايات الرصافة القاضي ضياء الكناني، أن "محكمة التمييز وبعد تدقيق الدعوى وقرار الحكم، قررت نقضه وإعادة الدعوى الى محكمة التحقيق المختصة"، مبينًا أن "محكمة التمييز كانت دقيقة جدًا في قرارها، والتفتت إلى شيء مهم ودقيق وهو أن الهيئة التحقيقية التي أجرت التحقيق مع المتهم، هي لجنة أبو رغيف التي سبق أن صدر قرار من المحكمة الاتحادية بعدم دستورية تشكيلها، لاسيما وأن المتهم طعن بهذه الجهة باستعمالها وسائل غير مشروعة معه عند التحقيق".[8]
ترحيب كتائب حـ.ز.ب الله
ورغم ردود الأفعال الغاضبة على نقض القرار من قبل أوساط إعلامية ومدنية، إلا أن كتائب حـ.ز.ب الله، المتهمة بالوقوف خلف جريمة الاغتيال، كون منطقة البوعيثة [9+] التي انطلق منها المسلحون هي أحد معاقل الفصيل المسلح الذي سبق أن هاجمه الهاشمي، وانتقد عملياته، كانت المهنئ الوحيد بقرار القضاء بنقض قرار الإعدام.
وقال المسؤول العسكري للفصيل "أبو علي العسكري"، في بيان: "مرة أخرى أثبت القضاء العراقي أنه مهني قوي، ولا يخضع للإملاءات الخارجية، ويتعين على الشعب العراقي شكره على موقفه الشجاع في نقضه كافة قرارات محكمة جنايات الرصافة، وإنصاف الملازم الأول أحمد الكناني ابن المؤسسة الأمنية في وزارة الداخلية، والذي اتهم قهراً -بقتل المقبور المكنى بأبي هريرة والمسمى هشام الهاشمي-من قبل (لجنة أبو رغيف) غير الدستورية، والمشكّلة في وقت (حكومة الخسيس الكاظمي)".[9]
إطلاق سرح غير معلن
إلا أنه وخلال الأسبوع الجاري، تناقلت وسائل إعلام محلية وأجنبية أخبارًا شبه مؤكدة عن إطلاق سراح الكناني، بينها وكالة "رويترز" التي نقلت عن محام، قوله إن "أحمد حمداوي، نفى جميع التهم الموجهة إليه، ووجد القضاة أنه لا يوجد أساس قانوني لتوجيه الاتهام إليه، وقرر القاضي إطلاق سراحه ما لم يكن مطلوبًا في قضية أخرى.[10]
عائلة الهاشمي خارج العراق وتخاف الطعن
وبحسب تقارير صحفية، فإن عائلة الهاشمي، تخشى العودة الى العراق وتقديم طعن ضد قرار الإفراج عن المدان الذي اعترف سابقًا بالجريمة، خشية الملاحقة من قبل فصائل مسلحة، خاصة وأن العائلة تعيش خارج البلاد منذ أشهر، بعد تعرضها لضغوطات وتهديدات كثيرة من أجل التنازل عن هذه القضية.
ونقلت مصادر لصحيفة "العربي الجديد"، أن المدان الكناني سافر خارج العراق بعد إطلاق سراحه، بينما تعمل "جهات وشخصيات متنفذة" من أجل عودته إلى عمله في وزارة الداخلية، كونه يحمل رتبة ملازم.[11]
خبراء قانون مستغربون من القرار
وللوقوف على حيثيات إطلاق سراح المدان الكناني، تواصل "صحيح العراق" مع خبيرين قانونيين فضلا عدم الكشف عن اسميهما لأسباب أمنية، حيث قال أحدهما إن "إطلاق سراح المتهم باغتيال الهاشمي فضيحة مكتملة الأركان، إذ أظهرت الأدلة الجنائية تطابق الظروف الجرمية مع المسدس الحكومي للمتهم، وهو مسدس نوع كلوك مرقم GFT294، والأمر الآخر أن المتهم أدلى باعترافات مفصلة ومترابطة، ولا يمكن إهمالها، على عكس الاعترافات التي تكون تحت التعذيب غير مترابطة وغير مفصلة"، معبرًا عن استغرابه "من إهمال هذه الأدلة".
وبشأن تعرض المتهم للتعذيب أو كانت اللجنة التي حققت معه غير قانونية، أوضح الخبير الآخر، أن "ظروف التحقيق لا تسقط الأدلة، إذ يجب عرض الأدلة والاعترافات السابقة والتحقق منها من جديد، وليس إسقاطها، حيث لا يمكن تجاهل الأدلة الجرمية والتفاصيل في إعادة التحقيقات".
وأشكل الخبير على "عدم صدور بيان أو توضيح أو نص قرار الإفراج من قبل القضاء"، مشيرًا إلى أن "ذلك يضع علامة استفهام كبيرة حول حيادية المحكمة وقانونية القرار".
وعن إمكانية إعادة محاكمة المتهم بعد الإفراج عنه، أفاد الخبير، بأنه "لا يمكن إعادة المحاكمة إلا في حال ظهور أدلة جديدة لفتح القضية"، موضحًا، أن "من يقدم تلك الأدلة هو المطالب بالحق الشخصي وهم عائلته"، عدا ذلك لا يمكن إعادة المحاكمة، كون الأدلة التي عرضت تم ردها.
من هو هشام الهاشمي؟
وُلد هشام الهاشمي في عائلة شيعية لكنه تحول إلى الإسلام السني في أواخر تسعينيات القرن الماضي، ثم انضم إلى الحركة الجهادية في الفلوجة، ثم اعتقلته القوات الأمريكية خلال حرب احتلال العراق، ليمضي ثلاث سنوات في السجن أقام خلالها علاقات مهمة مع الحركة الجهادية والمتشددين السنة، وشاب عملية إطلاق سراحه من السجن كثير من الغموض، لكن يُعتقد على نطاق واسع أنه أبرم صفقة مع الحكومة العراقية، لم تتضح تفاصيلها، لكن الهاشمي بدأ، بعد فترة وجيزة بمساعدة العراقيين والأمريكيين بمعلومات استخبارية عن معظم الشبكات الجهادية في العراق، فيما ينسب المقربون منه دورًا حيويًا له في إضعاف تنظيم د.ا.عش ما أدى إلى تلقيه تهديدات لا حصر لها بالقتل
بعد أن كان المشتبه في قتله هو التنظيم، إلا أنه سرعان ما تحولت أصابع الاتهام نحو عدو آخر، وهو التنظيمات الشيعية المسلحة التي كانت له معها علاقة معقدة، ففي البداية، اعتبر الهاشمي مقاتليها أبطالاً، بعد أن انهار الجيش أمام احتلال التنظيم، لكن مع تنامي قوة الحركات المسلحة الشيعية، بدأ الهاشمي بانتقادهم قائلًا إنهم يستخدمون الحرب ضد تنظيم "د.ا.عش" مطية للاستيلاء على الأراضي وتعزيز مكانتهم في الحكومة، وقبل اغتياله بخمسة أيام، قام بنشر تقرير كشف فيه عن تفاصيل شملت التسلسل القيادي لإحدى أقوى تلك الجماعات، وهي كتائب حـ.ز.ب الله، وقبل ذلك، كان أيضًا قد غرد باسم أحد قادتها.[12]