مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

هل إنشاء إقليم سني في العراق مطلب دستوري وقانوني؟

هل إنشاء إقليم سني في العراق مطلب دستوري وقانوني؟
SaheehNewsIraq

الكاتب

SaheehNewsIraq
nan لا تكاد تمر أزمة سياسية في العراق دون الحديث عن الإقليم السني، ففي الوقت الذي يحذر منه سياسيون شيعة، يرى مؤيدو إنشاء الإقليم بأنه مطلب دستوري وقانوني، أسوة بإقليم كردستان، ولم يكن الحديث عن الإقليم السني منحسرًا في السنوات الأخيرة، بل رافق سنوات الحرب الطائفية عام 2006- 2007، مرورًا باجتياح داعش للمحافظات المرشحة لتكون إقليمًا عام 2014، لكنه تزامن هذه المرة مع عمليات "طوفان الأقصى" واتهام بعض السياسيين بالتنسيق مع إسرائيل لتكون صحراء الأنبار موطنًا للنازحين الفلسطينيين، حيث استمر الحديث عن المشروع وصولًا إلى قرار المحكمة الاتحادية باستبعاد رئيس تحالف تقدم محمد الحلبوسي من البرلمان ورئاسته، وما رافق ذلك من تشنج سياسي وإعلان نتائج الانتخابات المحلية. "صحيح العراق" تتبع المشروع المثير للجدل من كتابة الدستور وحتى اليوم. توطين الفلسطينيين إلى الواجهة من جديد، عاد الحديث عن الإقليم السني في العراق، خلال الفترة الأخيرة بالتزامن مع عمليات طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في تشرين الأول أكتوبر 2023، ففي الوقت الذي ردت إسرائيل بعمليات عسكرية عنيفة ومدمرة قضت بشكل شبه كامل على قطاع غزة وتهجير سكانه، تحدثت تقارير صحفية قيل إنها مسربة من المطابخ السياسية عن مشروع إسرائيل يقضي بإعادة توطين الفلسطينيين بعد تهجيرهم من قطاع غزة، في 3 بلدان، وهم العراق ومصر والأردن. وبحسب تقارير صحفية، فإن هناك عدة مناطق مرشحة لتوطين الفلسطينيين من ضمنها صحراء الأنبار في المنطقة التي تفصل بين العراق وسوريا والأردن، وبعض المناطق في سيناء المصرية. الأمر الذي ربطه سياسيون ومحللون مع المطالب الخجولة حول إنشاء الإقليم السني في العراق والذي يقترح أن يكون مركزه محافظة الأنبار، ويضم 3 محافظات أخرى.[1] أول رد فعل وبغض النظر عن صحة المشروع من عدمه، فقد سبق أن طرح قبل 4 سنوات من "طوفان الأقصى"، ورافق توقيع الرئيس الأميركي ترامب لـ"صفقة القرن"، حيث لاقى المشروع ردة فعل عراقية رافضة.[2] وافتتح زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، منصة الرافضين، بالتحذير من مخطط أسماه بـ«فكرة خبيثة» تتمثل في نقل أعداد من سكان غزة إلى العراق، وتحديدًا إلى محافظة الأنبار المتاخمة للأردن. ونشر الصدر عبر حسابه الرسمي في منصة التواصل «X» (تويتر سابقًا)، أفاد فيها بأنه «خسئ كل من قال أو أقر بتهجير الشعب الفلسطيني إلى سيناء أو الأنبار أو النقب أو إلى غير ذلك مطلقاً، وكل من يتماشى مع هذه الفكرة الخبيثة الإرهابية، يؤيد من حيث يعلم أو لا يعلم، تمدد وتوسع الكيان الصهيوني الإرهابي الغاشم».[3] وتوالت المواقف الرافضة من سياسيين سنة وشيعة، وحاول بعض السياسيين إبعاد التهمة عنه، حيث كانت تشير أصابع الاتهام إلى المطالبين بالإقليم السني، واتهامهم بأنهم جزء من مشروع التهجير، ومن بين الرافضين للمشروع هو رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي، الذي أعلن رفضه لأي مخطط يهدف لتهجير الفلسطينيين.[4] تقسيم العراق إلى أقاليم لم يكن الحديث عن مشروع الإقليم العربي السني حديث عهد، بل رفيق الأزمات السياسية، لا سيما خلال الانتخابات وتشكيل الحكومات والأحداث الأمنية، لكن من خلال تتبع الأحداث، فإن بداية قصة إقليم السنة بدأت بعد عام 2005، حيث تم التصويت على الدستور العراقي رغم مقاطعة غالبية المحافظات السنية للتصويت.[5] بايدن حامل لواء أقاليم العراق بدأت فكرة تقسيم العراق إلى 3 أقاليم، من جو بايدن (الرئيس الأميركي الحالي) والذي كان يشغل منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، ففي مقال لبايدن في مايو 2006، اقترح تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم -كردية وشيعية وسنية- مع حكومة مركزية في بغداد. وقال إن "السنة يجب أن يحصلوا على المال لجعل منطقتهم الفقيرة بالنفط قابلة للحياة، ويجب تعديل الدستور لضمان حصول المناطق السنية على 20 بالمئة (تقريبًا نسبتها من السكان) من جميع الإيرادات”.[6] وفي 26 أيلول سبتمبر 2007، أقر مجلس الشيوخ الأميركي مقترح بايدين، وهو خطة غير ملزمة لتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم للحكم الذاتي هي كردستان وسنستان وشيعستان، بحسب تعبير المروجين لمشروع "التقسيم الناعم" في مراكز الأبحاث والدراسات الأميركية. وقد صوت للقرار 75 شيخًا من أصل 100، وصوت ضده 23، وكان من الملفت للنظر أن يصوت 26 شيخًا من الحزب الجمهوري حزب الرئيس بوش للقرار، على الرغم من أن إدارته أبدت معارضتها العلنية له، وهو ما أظهر انقسامًا جمهوريًّا عميقًا حول سياسة الإدارة الأميركية الراهنة في العراق، كان قد بدأ قبل ذلك بأشهر.[7] ويأتي موقف عمار الحكيم، رئيس تيار الحكمة حاليًا، والقيادي في المجلس الأعلى سابقًا، متطابقًا تمامًا مع مشروع بايدن لتقسيم العراق، ففي تصريح للحكيم بتاريخ 18 يوليو 2006، أكد أن "العمل جار بجد من أجل تشكيل اقليم الجنوب الفدرالي. وقال "نحن نعمل بشكل جاد لتشكيل اقليم الوسط والجنوب واقليم بغداد ونتمنى أن يبادر شركاؤنا الى ذلك لتحقيق التوازن السياسي في البلاد". وأضاف "نحن الآن في طور التعبئة وإيضاح وتثقيف أبناء شعبنا بفوائد مثل هذا الإقليم وحققنا تقدمًا ملموسًا وكبيرًا، وجبنا المناطق والتقينا المواطنين للوصول الى رؤية موحدة" في هذا الشأن".[8] رفيق الأزمات يكاد أن يكون مطلب الإقليم السني أو تقسيم العراق إلى 3 أقاليم، رفيق كل أزمة سياسية أو أمنية في البلاد، حيث يعاد طرح ذات المطلب مع كل انتخابات أو تشكيل حكومات إضافة إلى المشاكل الأمنية، وعلى الرغم من قانونية المطلب وفق الدستور، إلا أن بعض السياسيين يتنصلون عن دعمهم لمشروع الأقلمة، خوفًا من اتهامهم بتقسيم العراق وتأجيج الطائفية، إلا أنهم يلجأون إلى دعم ذلك بصورة غير علنية، ففي عام 2011 انطلقت من محافظة الأنبار مطالب لتشكيل إقليم فيدرالي، كما أعلنت شخصيات في محافظة صلاح الدين عن تطلعها لتحويل المحافظة إلى إقليم أيضًا. ولاقت هذه المطالب استحسان الكرد، حيث أكد رئيس اقليم كردستان حينها مسعود بارزاني دعمه لهذا التوجه، مشيرًا إلى أن الدستور يكفل لكل محافظة إقامة فيدراليتها.[9] وأعيد طرح المشروع في عام 2013، وخلال الاحتجاجات الواسعة المناهضة للحكومة في المحافظات السنية، حيث طرح المتظاهرون في المحافظات المحتجة، ثلاث خيارات للحكومة وهي: "الحكم الذاتي للمناطق السنية"، و"رحيل رئيس الحكومة نوري المالكي"، و"الذهاب للحرب الأهلية". حيث قال محمد الرضواني، خطيب مسجد "النبي شيت" أحد المساجد التي تشهد تجمعات مناهضة لحكومة المالكي، في مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى: "نطالب بحكم أنفسنا بأنفسنا عبر تأسيس إقليم" يتمتع بالحكم الذاتي في المناطق السنية. وفي أعقاب انتهاء صلاة الجمعة، تجمع مئات المصلين خارج المسجد، وهم يرددون شعارات وهتافات بينها: "الشعب يريد إقامة الإقليم".[10] وأواخر عام 2023، اعتبرت تقارير صحفية، استبعاد رئيس تحالف تقدم محمد الحلبوسي من رئاسة البرلمان، بأنه ضربة قوية لمشروع الإقليم السني، على الرغم من عدم إعلان الحلبوسي دعمه للفكرة. لماذا الحلبوسي متهم بالأقلمة؟ دخان الاتهام لم تكن بلا نار، فبالعودة إلى عام 2021، روج نواب عن حزب تقدم عن مشروع إقليم الأنبار، وفي تصريح للقيادي في التحالف عبدالله الخربيط (قبل أن ينسحب لاحقًا)، بأن قرار تحويل الأنبار إلى إقليم تم اتخاذه والحلبوسي، سيكون رئيسًا عليه.[12] وبالرغم من أن الحلبوسي قبل شهرين من تصريح الخربيط، أفاد بأن محافظة الأنبار ماضية نحو التحول إلى "كردستان جديدة" في التقدم والإعمار، أشار إلى أن المحافظة، التي ينحدر منها وتقع إلى الغرب من العراق وتقطنها أغلبية سنية، "لم تطرح إنشاء إقليم".[13] وفي كانون الثاني يناير 2020، قال النائب عن محافظة الأنبار فيصل العيساوي، إن "التجاهل الحكومي للمحافظات السنية والرغبة الجامحة في تطبيق فكرة الدكتاتورية على مكون معين من الأسباب الرئيسية التي دفعت القوى السياسية حاليًا للمضي نحو تأسيس إقليم الأنبار".[14] من جديد عاد وتصدر ملف الإقليم السني خلال الأيام الأخيرة الماضية، مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال صفحات وبرامج تلفزيونية، كما أعيد نشر تصريحات سابقة لسياسيين تدعو لإقامة إقليم سني مكون من الأنبار وصلاح الدين وديالى ونينوى، ويلقى المطلب تأييدًا ودعمًا كرديًا أمام رفض شيعي. ورصد "صحيح العراق" تغريدات لمدونين كرد يروجون لإقامة إقليم سني وعاصمته الرمادي.[15] كما نشطت حسابات على منصة "أكس" باسم "إقليم السنة قادم" و"الإقليم السني العربي"، وغالباً ما تشارك هذه الحسابات تغريدات طائفية.[16] وأججت تلك المنشورات من حدة المواقف بين حسابات غالبيتها مجهولة، من خلال تبادل الاتهامات الطائفية بهذا الشأن.[17] وأثار الموضوع مؤخرًا رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، خلال استقباله محافظ الأنبار محمد نوري الكربولي، ورئيس مجلس المحافظة عمر مشعان دبوس، وهم من حزب تقدم برئاسة محمد الحلبوسي، حيث قال لهم القاضي زيدان ما نصه: ""فكرة إنشاء أقاليم أخرى (غير كردستان) بأي منطقة في العراق مرفوضة لأنها تهدد وحدة العراق وأمنه".[18] جدل قانونية الإقليم وأثار تصريح زيدان الجدل، والذي اعتبره مراقبون بأنه تصريح سياسي من أعلى سلطة قضائية في البلاد، والتي يجب أن تكون بمعزل عن المواقف السياسية. وحول قانونية الإقليم السني، يقول الخبير القانوني علي التميمي، إن "الدستور العراقي يجيز لمحافظة أو أكثر تكوين إقليم، بناءً على طلب بالاستفتاء عليه، يقدم إما من ثلث أعضاء مجلس كل محافظة وإما محافظة واحدة".[19] آلية تكوين الإقليم بحسب الدستور العراقي "يكلف مجلس الوزراء مفوضية الانتخابات خلال 15 يومًا (بعد طلب الاستفتاء) باتخاذ ما يلزم، ويكون الاستفتاء ناجحًا إذا صوت نصف عدد المستفتين زائد واحد لكل محافظة". وفي مرحلة لاحقة، تصادق المحكمة الاتحادية على الاستفتاء، ثم يصدر قرار من رئيس الوزراء خلال 15 يومًا من تاريخ وصول المصادقة بإعلان الإقليم"، وفقًا لشروحات الخبير القانوني علي التميمي، ومن ثم يصار إلى إنشاء مجلس تشريعي والتصويت على دستور للإقليم الجديد. أما في حالة فشل الاستفتاء، فإنه من الممكن إعادته بعد سنة، وفي حالة الرفض غير المبرر من مجلس الوزراء، فإنه يمكن لمجلس المحافظة تقديم طعن للمحكمة الاتحادية بذلك"، وفقًا لنصوص الدستور العراقي.[+19] الأقاليم في الدستور أشار الدستور إلى الأقاليم في مواد دستورية عدة منها المادة (116) والتي أشارت إلى أن النظام الاتحادي يتكون من عاصمة وأقاليم ومحافظات، وكذلك المادة (117) والمادة (118)، وكذلك نصت المادة (119) على أنه "يحق لكل محافظة، أو أكثر تكوين إقليم بناءً على طلب بالاستفتاء عليه". كما أن الدستور ذهب إلى أبعد من ذلك، حينما نصت المادة (126) على عدم جواز تعديل الدستور الاتحادي إلا بموافقة الأقاليم.[20] الموارد الاقتصادية في المحافظات الأربع تتركز غالبية ثروة العراق المعدنية في المحافظات الغربية والشمالية إضافة للثروة الغازية، في حين غالبية الثروة النفطية في المحافظات الجنوبية وبعض محافظات الشمال، وفيما يلي قائمة بأبرز المعادن الموجودة في محافظات الانبار وصلاح الدين وديالى ونينوى.[21] الأنبار: كبريت، الذهب، عشرة آلاف مليون طن، من الفوسفات، اليورانيوم في عكاشات، الدولومايت، الكلس، السيليكا، الكوارتزايت، الكوارتز، مليون طن من البوكسايت، 400 مليون متر مكعب من الزجاج، حقل عكاز الغازي. صلاح الدين: كبريت، 60 مليون طن من الحديد، 22 مليون طن من كبريت الصوديوم الخام، الجبسم نينوى: كبريت، الذهب، الجبسم، الكلس. ديالى: تنتج العديد من المحاصيل الزراعية في مقدمتها الفواكه والخضار والحبوب والتمور.[22] الإقليم السني بالأرقام: بحسب الجهاز المركزي للإحصاء، فإن المحافظات الأربعة الداخلة ضمن مشروع الإقليم، تشكل 49.9 بالمئة، من مجموعة مساحة العراق، وذلك بالشكل التالي: محافظة ديالى: تبلغ مساحتها (16505) كيلو متر مربع، وتمثل بذلك نسبة مقدارها (4.0 بالمئة) من مجموع مساحة العراق، وتضم (21) وحدة إدارية.[23] محافظة صلاح الدين: تبلغ مساحتها (23398) كيلومتر مربع، وتمثل بذلك نسبة مقدارها (5.6 بالمئة) من مجموع مساحة العراق وتضم (17) وحدة إدارية.[24] محافظة نينوى: تبلغ مساحتها (33,313) كيلومتر مربع، وتمثل بذلك نسبة مقدارها (8.6 بالمئة) من مجموع مساحة العراق وتضم (31) وحدة أدارية.[25]